المشاركات

عودة إسرائيل إلى الوصاية المكشوفة

    بُعيد عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب المفتوحة الدموية التي تأخذ طابع الإبادة الجماعية على قطاع غزة، شهدت المنطقة عموما، والكيان العبري خصوصا ظاهرة ما أطلق عليه بعض المراقبين(الحجيج الدبلوماسي) تزامنا مع حشود عسكرية أمريكية تمثلت باستدعاء حاملتي الطائرات(فورد و أيزنهاور) إضافة إلى قطع وسفن حربية أخرى، واستدعاء قوات الدلتا ووضعها بحالة جاهزية في شرق البحر المتوسط، وتزويد إسرائيل بآلاف الأطنان من الذخائر والعتاد، وكأن الترسانة الإسرائيلية فارغة وتعاني الشح،   إضافة إلى الحديث عن طيران أمريكي استطلاعي للكشف عن مكان (الرهائن) في قطاع غزة . التصريحات والزيارات غير المسبوقة   وزار الرئيس الأمريكي(جو بايدن) إسرائيل في 18-10-2023 لأول مرة منذ توليه منصب الرئاسة والتقى بقيادتها السياسية والعسكرية، وسبقته وتلته زيارات متعددة قام ويقوم بها وزير الخارجية (أنتوني بلينكين) ووزير الدفاع (لويد أوستن)، ولا ننسى زيارة رئيس وزراء بريطانيا (سوناك) والرئيس الفرنسي(ماكرون) . وبلينكين الذي يفترض أنه يمثل الدبلوماسية الأمريكية، ووجهها الرسمي، يتحدث وكأنه وزير خارجية إسرائيل، وأكد على أنه يتحدث بصفته

بعد 75 عاما...إسرائيل عادت إلى مرحلة ما قبل الدولة

    أخط هذا النص بعد غياب طويل نسبيا لسببين: الأول صحي منعني من الكتابة والحمد لله على نعمة العافية، والثاني هو أن المشاهد التي تبث عبر الشاشات ونشرات الأخبار والتغطية المستمرة، من ناحية تغني عن كثير مما يخطه اليراع، ومن ناحية أخرى يزهد الناس تلقائيا في صرف جزء من وقتهم في قراءة نص يتجاوز ما ألفوه من تغريدات قصيرة عبر مواقع التواصل، وأعني بالمشاهد والأخبار الحرب على غزة بالتأكيد. والآن بعد مرور أسابيع على الحرب لا بد من إضاءة على جوانب مهمة في هذا الوقت باستخدام المرقوم، حتى لو انشغلنا عن القراءة لكنها تظل وسيلة العلم والمعرفة الأساسية مهما تطورت الوسائل الأخرى. الحاج فضل الجزماوي رحم الله الحاج فضل، فهو شخص معروف في مدينة جنين، كسب قوته من كده، وعلّم أولاده وبناته وأخرجهم أفراد صالحين في المجتمع، قبل أن يأتيه أجله؛ والحاج فضل لجأ إلى جنين من بلدة معروفة وكبيرة قرب مدينة حيفا وهي(اجزم) مع كثير من اللاجئين الذين توزعوا ما بين الضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان والعراق في خضم نكبة 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل. ومثل كثير من اللاجئين الفلسطينيين وقتها عانى ألم التشريد والتهجير،

مخيم صاغ هوية المدينة الصغيرة

  هذا المقال هو الثالث والأخير في الحديث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت مخيم جنين بؤرة للمقاومة، وحالة خاصة لا مثيل لها، وقد تحدثت في المقالين السابقين عن تجذر المقاومة في جنين سواء المقاومة النظامية، أو المقاومة التي يخوضها رجال يتبعون أسلوب حرب العصابات، وفي هذا المقال سأتحدث عن مزايا أخرى لمخيم جنين . " جنيني يا بطيخ " إذا كان لكل مدينة تقريبًا شيء يميزها؛ مثل وجود شخصية بارزة في مجال ما، أو حدث تاريخي، أو معلم ديني أو سياحي، أو واقع اقتصادي، أو منتج خاص؛ فإن جنين ليست بعيدة عن ذلك، ليس بكونها أيقونة مقاومة للغزاة فقط، بل بمنتوجاتها الزراعية المميزة، وكيف لا وهي في حضن مرج ابن عامر، أحد أكبر سلال غذاء بلاد الشام عمومًا، وفلسطين على وجه الخصوص . ومن أكثر ما تميزت به جنين هو البطيخ الذي ينضج ويقطف صيفًا ويباع في الأسواق، ويصدّر منه خارج فلسطين، ويروي كبار السن أن أسواق دمشق وبيروت لطالما صدح فيها البائعون، "جنيني يا بطيخ"، مثلما اشتهرت الخليل -ولا تزال- بالعنب، وأريحا بالموز وغير ذلك . لكن الحال تغير قبل أكثر من أربعين عامًا حين عمد الاحتلال إلى محاربة المزا

جغرافية المقاومة.. جنين دائما مستعدة

    تحدثت في المقال السابق عن خصوصية جنين ودورها في مقاومة حملة نابليون والاحتلال الإنجليزي، وهناك أمر آخر أرى ألا أمر عليه مرور الكرام، لأنه ساهم كثيرا في تعزيز خصوصية جنين ودورها المقاوم. انتصار عربي نادر على أرض جنين دخلت الجيوش العربية السبعة فلسطين في 1948، وهي أقل عددا وعدة وتدريبا وجهوزية من العصابات الصهيونية التي تتمتع أيضا بكم معلومات استخباراتية لا يقارن بحجمه المهول بما لدى الجيوش العربية، يضاف إلى ذلك ضعف الإرادة السياسية لدى الأنظمة العربية الرسمية للتصدي الفعلي لتلك العصابات المدربة المدعومة من قوى الغرب والشرق، أو ثقتها وأحيانا ارتهانها للسياسات المرسومة من القوى الاستعمارية، فكان من الطبيعي أن تتغلب العصابات المنظمة على جيوش هذا حالها، ويضاف إلى ذلك أن الشعب الفلسطيني كان محروما وفق خطة بريطانية محكمة، من اقتناء الأسلحة إلا بشق الأنفس وبأسعار كان ثمنها غالبا ذهب(مصاغ) الزوجات، وكان أي فلسطيني يضبط ومعه سلاح بل أحيانا رصاصة واحدة، يشنق بعد محكمة عسكرية سريعة! ولكن في خضم تلك النكبة والظلام برز شعاع نور ما زال حاضرا في نفوس الأجيال المتعاقبة، خاصة أن له شيئا ماديا

مخيم جنين...جغرافية خاصة في تاريخ ملتهب

  بقلم:سري سمّور مخيم جنين بعد معركة نيسان-أبريل 2002 كان مادة طغت على التغطيات الإعلامية، وألهم صناع الدراما (أفلام ومسلسلات) والباحثين والكتبة، وروائيين تفتحت قريحتهم فكتبوا عن المخيم كثيرا، بل إن معركة المخيم تلك كانت موضوعا ومحورا لأطروحات دراسات عليا في أكثر من جامعة فلسطينية، وغير فلسطينية . ومع تقادم السنين طغت أحداث وأماكن أخرى على نشرات الأخبار، وانشغل أهل المخيم بحياتهم وحاولوا الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا، يلملمون الجراح ويذهبون إلى أعمالهم ودراستهم، يتفقون ويختلفون، ويتشاجرون ويتصالحون، يتزوجون وينجبون، غير ناسين ما جرى؛ فقد دفعوا فاتورة دم كبيرة، فما بين سنة 2000-2006 استشهد 1% من سكان المخيم، وكل أسير خلف القضبان، وآخر يفرج عنه يذكرهم بتلك المرحلة التي عاشوها . وبعد عقدين عاد مخيم جنين إلى الواجهة بعد تشكيل "كتيبة جنين" واغتيال شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة التي زارت جنين والمخيم ضمن مهنتها مرات كثيرة، وغطت أحداثا في أماكن مختلفة سنوات طويلة، ليكون قدرها أن تقضي على أرض المخيم في مايو/أيار 2022 . وكأن المخيم بما يحمله من رمزيات يصر على الحضور دوم

إسرائيل...تحليلات تتجاهل الدولة العميقة

  بقلم:سري سمّور مظاهرات واحتجاجات متواصلة منذ أسابيع طويلة تشهدها إسرائيل احتجاجا على قوانين جديدة أقرتها الحكومة الإسرائيلية مستندة إلى أغلبية برلمانية صاغت تلك القوانين التي من شأنها تغيير في منظومة القضاء، والحد من صلاحيات المحكمة العليا. حراس البوابة       كثير من العرب الذين يتابعون الأزمة، يرون في الأمر نوعا من ترسخ الإيمان بالحرية والليبرالية في المجتمع الإسرائيلي، وأنه (مجتمع واع) يرفض سيطرة الحاخامات المتشددين على حياة الأفراد ومؤسسات الدولة، حتى لو فازت أحزابهم بأغلبية مقاعد البرلمان(الكنيست). وقلة لا تكاد تبين وضعوا يدهم على أصل الأزمة، وشخصوها ربما استنادا إلى مصادر إسرائيلية أقرت بأن إسرائيل محكومة بدولة عميقة، معروفة عند الإسرائيليين باسم(حراس البوابة) تمأسست وترسخت قبل وصول الليكود للحكم أول مرة في تاريخ الكيان قبل حوالي 46 وهذه الدولة العميقة تسيطر على الإعلام والقضاء والنقابات والمؤسسات، بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات، ومعناه أن إدارة الدولة صاغها حزب العمل وحلفاؤه، وموظفون كبار في مختلف الوزارات يجعلون دور الوزير شرفيا أو مقيدا بمعايير إدارة مرسومة سلفا لا