التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش!!(3/8)


التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش!!(3/8)
-الجزء الثالث-
بقلم: سري سمّور

(4) رقابة الأزهر أو غيره

يسعى بعض العلمانيين في خضم محاولاتهم المستميتة إثبات بعدهم عن الحكم، إلى طرح جزئيات صغيرة، مثل رقابة الأزهر على بعض المؤلفات، وأخذ السلطة برأي علماء دين في بلد ما حول كتاب أو محاضرة، أو عمل فني؛ مثلما يستشهد العلماني نبيل فياض بأخذ النظام السوري بآراء البوطي مثلا.
والرد على هذه الحجة الواهية هو إمعان النظر في التهميش الذي لحق بالمؤسسات الفقهية والدعوية، وهو تهميش كان سافرا مستفزا في تركيا، حيث الحرب على المساجد، وعلى رفع الأذان باللغة العربية، وكذلك ما كان في تونس سواء في عهد بورقيبة أو بن علي، في إضعاف مؤسسة الزيتونة العريقة، التي كانت منارة علمية فقهية ودعوية في عصور سالفة، بل كانت من أهم ما يميز تاريخ تونس...بل كان هناك ما يعتبر أخس ألوان الانحطاط الأخلاقي، وهو ما كشف عنه من تعمّد سلطات بن علي إقصاء أي إمام في الزيتونة له صوت جميل، لمنع انجذاب الناس!
ففي تركيا وتونس كان العداء للدين وشعائره سافرا، والحرب على كل المتدينين، من له باع في السياسة، ومن هو بعيد عنها قاسية مستفزة، ومع ذلك يأتي علمانيون ليزعموا أن العلمانية لم تحكم!
أما في مصر وما يثار من جدل حول الأزهر ورقابته؛ فالمسألة مركبة، فحين يوصي الأزهر بمنع كتاب أو عمل فني، وتأخذ السلطة التنفيذية بالتوصية، فهذا لا يعني أن العلمانية والعلمانيين تحت مقصلة «الاضطهاد الديني» وأنه لا حظ لهم في الحكم ولا نصيب؛ فإذا كان سيد القمني قد أثار هذه المسألة في كتاباته ومجادلاته، فلا ينسى أنه حاز على جائزة الدولة التقديرية كما أسلفت، كما أن المنع قد يزيد عدد القرّاء، ويمنح الممنوع شهرة لا تتناسب مع قيمته الفكرية أو الأدبية أو العلمية، ثم إن لدينا أزمة قراءة كما نردد دوما، ولا أرى طوابير القرّاء تصطف أمام المكتبات طلبا لما هو ممنوع أو ما هو مسموح، كما أن حالات المنع محدودة وقليلة جدا، ومنها مثلا منع رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، فهو استفاد من المنع، عوضا على أنه لم يسجن أو يعذب، وحصل على جائزة نوبل، بناء على تأييد السادات في موضوع كامب ديفيد.
كما أن الأزهر الشريف ومنذ محمد علي باشا أصبح مؤسسة تابعة للسلطة والنظام، مهمته تزيين وجه الحاكم ومحاولة ستر قباحاته، والبصم بالعشرة على كل أفعاله القبيحة، بل وصل الحال أن يتبوأ مشيخة الأزهر رجل غير مختص بالفقة أو التشريع بل بالتاريخ هو محمد سيد طنطاوي، وما يهم النظام من تمسحه ببعض المؤسسات الدينية هو أن تـقر توجهاته وتبارك مساعيه السياسية، خاصة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكانت هذه المؤسسات ومن فيها من المشايخ والوعاظ أخطر على الشعب من المهلوسين العلمانيين، نظرا لأن الشعوب بطبيعتها متدينة أو تميل إلى التدين ولو المظهري، وترفض الإلحاد السافر، أو التحدي العلني لشعائر الإسلام، ورأينا حرص الزعماء المخلوعين على إظهار أنفسهم يعمرون هذه المؤسسات والمساجد ويكرمون أحيانا حفظة القرآن الكريم ويحرصون على الظهور أمام الكاميرات خاصة أيام الجمع والأعياد...وهنا نقول:نعم، لم يأخذ النظام في مصر بآراء غلاة العلمانيين نظرا لطبيعة الشعب المتدينة، بل سعى لاحتواء وتوظيف المؤسسات الدينية وتـفريغها من محتواها كي تكون أداة طيعة من أدواته شأنها شأن الأدوات الأخرى التي يستخدمها كالأمن والإعلام، وضمن الدستور فقرات تنص على أن الإسلام هو مصدر التشريع الرئيس، وكان عدم أخذ النظام المصري السابق بجميع آراء غلاة العلمانيين من عوامل إطالة العمر وتأجيلا لثورة الشعب.
ونحن لم ولن ننسى أن الإنتاج الدرامي والفني سيطر وما زال عليه علمانيون ويساريون بعضهم متطرف وأصدروا أعمالا غالبيتها تنضح حقدا ليس على المتدينين وحسب، بل على الدين ورموزه وشعائرة؛ بإظهار المتدينين والمشايخ بلهاء، ومحبون لبطونهم وفروجهم فقط، والاستهزاء باللحية والحجاب، ولم تتحرك مشيخة الأزهر لوقف هذه التعديات.
بل إن الدراما كانت من أدوات الأنظمة في حروبها ونزاعاتها؛ ففي فترة أزمة النظام مع الجماعة الإسلامية المصرية عرض مسلسل (ليالي الحلمية) الذي لم يكن حربا على الجماعة وفكرها، بل حربا على شعائر الدين في العديد من مشاهده، وتزيينا مقززا لرجال وضباط مباحث أمن الدولة، وهم الذين أذاقوا الشعب المصري بجميع فئاته المتدينة وغير المتدينة كؤوس الذل والهوان، و كاتب ليالي الحلمية أسامة أنور عكاشة يساري التوجه، ثم يأتي اليساريون ويقولون بأن الأنظمة البائدة عملت على إقصائهم ومنعت أفكارهم من الوصول إلى عامة الشعب.
ومن الأهمية أن ندرك أن الدراما المتلفزة لها تأثير أكبر من الكتب خاصة عند الشعب المصري وعند بسطاء الناس عامة، ومثل ليالي الحلمية رأينا عشرات بل مئات المسلسلات والأفلام والمسرحيات لا تخلو من الغمز من قناة المتدينين بل حتى أن الدراما المصرية المهيمن عليها تماما من التيار العلماني ارتكبت خطيئة يجب أن تحاسب وتحاكم عليها بأثر رجعي، حين جعلت اللغة العربية الفصحى مادة للهزء والسخرية، وهي ليست فقط لغة القرآن الكريم بل هي اللغة التي يتشدق القوميون بأنها أحد روابط وركائز مشروعهم.
وهذا يقودنا إلى مسألة الدلال الذي حظي ويحظى به المثقف العلماني، ونقيضه من القمع الذي نال المثقف الإسلامي، وهو ما سأناقشه في الجزء الرابع بمشيئة الله.....يتبع.
     ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء 4 رجب 1434هـ ،14/5/2013م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...

إسراء عيسى في رواية "حياة ممكنة" تحاول أن تحيك خيوطا لوحدة الوطن