أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5)



أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5)
-الجزء الثاني-
بقلم: سري سمّور

الثورة الإيرانية أثبتت قدرة الإسلاميين على بناء دولة عصرية، والقدرة على إزاحة أحد أكبر أعوان أمريكا، أي شاه إيران محمد رضا بهلوي، دون أي معونة من السوفييت، مثلما كان يحدث في ظل الحرب الباردة، حين يطاح برجل لواشنطن في أي مكان في العالم تكون موسكو وراء ذلك، والعكس صحيح، إلا في حالة إيران، كما أنه لم يكن للعامل المذهبي والقومي، أي اعتبار في تأييد الجمهور المسلم، العربي والسني للثورة الوليدة وتشجيعها.
أما أفغانستان فهي دولة مسلمة فقيرة، تعرضت لاحتلال قوة عظمى غاشمة، من صلب عقيدتها فكرة (لا إله والحياة مادة) وقد سارع الإسلاميون لنجدة إخوتهم في الدين في أفغانستان بالمال والسلاح والرجال الراغبين في الجهاد بأنفسهم، أو بالتطوع في الأعمال الخيرية، مثل الطبابة والإغاثة وغيرها، ولم ينظر الإسلاميون إلى المسألة الأفغانية من زاوية الصراع الأمريكي-الروسي فحتى لو كان ثمة تقاطع للمصالح؛ فإن الإسلاميين نظروا لأفغانستان على أنها أرض يجب الجهاد ضد الملحدين وعملاؤهم فوقها، ونواة للمشروع الإسلامي الذي سيبدأ من هناك.
وبالتزامن مع التفاعل مع ثورة إيران واجتياح السوفييت لأفغانستان، فإن حدثا كبيرا وقع هذه المرة في مصر؛ حيث اغتال إسلاميون من الجماعة الإسلامية أنور السادات في حادثة المنصة المشهورة، وقد بدا واضحا، أن اليساريين والقوميين عيبوا على السادات كثيرا بسبب كامب ديفيد، وشتموه بالنثر والمنظوم، ولكنهم ظلوا في إطار الكلام والتنظير أما الفعل المباشر المؤثر فهو صنعة الإسلاميين، والحدث دلّ بقوة على أن الإسلاميين يمثلون قوة تستطيع قلب المعادلات وإرباك الحسابات الدولية والإقليمية، وأنهم أهل قدرة على الفعل.
إلا أن التجربتين الإيرانية والأفغانية وغيرهما لم تعيدا للأمة مجدها، ولم يستعد المسلمون رفعة الشأن، ولم يتخلصوا من هيمنة الغرباء، ولم يتحكموا بثرواتهم الوافرة، وقد كان للتجارب المذكورة وغيرها أكبر الأثر في حالة الإحباط التي نراها اليوم في صفوف الإسلاميين، وسأكتفي بالحديث عن ثلاث منها:إيران وأفغانستان والسودان
1) تجربة إيران:بعد فترة وجيزة من نجاح الثورة في إيران، بدأت الأمور تتكشف عن مشروع دولة شعوبية قائمة على تمييز اللغة والثقافة الفارسية، والمذهب الشيعي الجعفري، وظهر ذلك من خلال الدستور الذي صاغه قادة إيران الجدد، مما جعل مسألة الخلاف السني-الشيعي تطفو على السطح؛ صحيح أن الأمريكان، خاصة هنري كيسنجر، قد خططوا وشجعوا على تأجيج هذا الخلاف وإيقاظ الفتنة النائمة، انتقاما لسقوط الشاه، ولكن إيران الجديدة لم تخرج من بوتقة أو فكرة التفوق والتميز الفارسي، والسعي لهيمنة المذهب الشيعي على بقية المذاهب، وهو ما سهل نجاح تلك المخططات، وظهرت إيران مشروعا للفرس أولا ثم الشيعة ثانيا أكثر منها مشروعا للأمة المسلمة؛ ويكفينا دلالة على ذلك الغضب والسعي الدؤوب لتسمية الخليج بـ«الفارسي» ورفض تسميته بالإسلامي أو تركه بلا وصف قومي أو ديني...وقد انـقسمت الحركات الإسلامية فيما بينها في التعاطي مع إيران؛ فهناك من غسل يديه منها، بل اعتبرها عدوّا مركزيا، بسبب العامل المذهبي، وهناك من اعتبرها تجربة ستظهر حقيقتها مع الأيام، ومنهم من رآها أنموذجا يجب أن يحتذى ويطبق، وأخذ الخلاف أحيانا طابعا لا يخلو من العنف، مما زاد من الفتور...كما أن دخول إيران في حرب مع العراق أسفرت عن مليون قتيل على الأقل من الشعبين، لم يكن مقبولا عند جمهور الأمة، خاصة بمرور السنين؛ فلم تعد فكرة معاقبة عراق صدام على الاعتداء على إيران مقبولة، لأن الأولى حقن دماء المسلمين، وبات الناس يرون أنها استنزاف لأرواح ومقدرات جارين مسلمين، وزاد تعنت إيران في الاستجابة لدعوات وقف الحرب من الفتور تجاه ثورتها ودولتها عند قطاعات واسعة من الأمة...إضافة إلى سعي الحجاج الإيرانيين إلى التظاهر والاستنفار في المشاعر المقدسة في مكة المكرمة أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، ومعلوم أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج؛ وإن كان التبرير الإيراني هو أن الحج مؤتمر للمسلمين يتباحثون فيه أحوالهم إضافة إلى تأديتهم مناسكهم، وهذا صحيح ولكن المؤتمر لا ينعقد أبدا بالاستنفار وتخريب الشعائر، فالأسلوب الإيراني هنا لم يكن سليما البتة...ومع ذلك فإن التجربة الإيرانية بقيت حاضرة في فكر الإسلاميين، وظلت مثالا على أنه يمكن للحركة الإسلامية، أن تقيم دولة عصرية تخوض حربا، وتصمد في وجه عقوبات دولية، وأن تدعم المقاومة ضد الكيان العبري، مثلما فعلت إيران...ولكن بمرور الأيام ازداد الفتور والنفور من التجربة الإيرانية، خاصة بعد أن وقفت موقفا سيئا في التعاطي مع الثورة السورية، في نفس الوقت الذي هللت فيه ورحبت بقيام ثورة في البحرين، مما أظهرها دولة شعوبية تماما، وحرية الشعوب، ومصلحة الأمة المسلمة عندها، هي أمور ثانوية تتقدم عليها مصلحتها الذاتية، وزاد الطين بلة إظهار إيران مطامع في بلاد العرب الخليجية، وهو أمر تستغله أمريكا لإزاحة الأنظار عن الخطر الصهيوني، وللوجود العسكري الدائم في المنطقة، وإبرام صفقات تسلح مع دول الخليج، ما دام خطر إيران قائما!
2) نكبة أفغانستان:كان الإحباط من تجربة أفغانستان كبيرا أيضا؛ فقد انسحب الجيش الأحمر، وبقي عميله محمد نجيب الله بضع سنين في كابول، مع أنه كان يقال أنه لن يصمد سوى شهور قليلة، والسبب يعود إلى الخلافات بين المجاهدين بعضهم مع بعض، وحينما تمكن المجاهدون أخيرا من التغلب على قوات نجيب الله ودخول كابول في 1992م، ما لبثت الخلافات أن انفجرت بين فصائلهم المختلفة، وتحولت إلى حرب أهلية طاحنة سقط خلال السنة الأولى جرّاءها أكثر من 11 ألف قتيل، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمشردين....ومع أن أمل العديد من الحركات الإسلامية-كما يستوحى من الأدبيات- السنية في البلاد العربية، كان يقوم على أن تكون أفغانستان الأنموذج السني المكافئ لأنموذج إيران الشيعية، إلا أن هذا الحلم تبخر، ولم يعد ثمة مقارنة بين إيران الصاعدة المتقدمة في مجالات علمية وتسليحية شتى وبين أفغانستان النازف جرحها، بل إن الاقتتال الأفغاني عماده كان الفصائل السنية المتناحرة(عددها سبعة) خاصة جماعة غلب الدين حكمتيار مع جماعة برهان الدين رباني وحليفه أحمد شاه سعود، أما الفصائل الشيعية (وعددها ثمانية يمثلها حزب الوحدة) فقد كانت في تحالفات مع بعض المتحاربين السنة وخاضت معارك مع جماعة عبد رب الرسول سيّاف، فالخلاف كان أساسا بين القوى السنية المسلحة، ناهيك عن ظهور النعرات المنبوذة إسلاميا ومنها النعرة القبلية بين مكونات الأفغان مثل البشتون والطاجيك والأوزبك...وتواصلت الحرب والفوضى في تلك البلاد، آخذة معها الأمل في بناء دولة إسلامية مستقرة، أما أن تكون نواة مشروع إسلامي فقد بات الأمر أشبه بنكتة مبكية، ولقد استغلت القوى العلمانية ما جرى للطعن في كل المشروع الإسلامي، وتعيير الإسلاميين بشعاراتهم إبان الجهاد ضد الروس في أفغانستان...وفي 1996م استولت حركة طالبان على مقاليد السلطة في كابول ومعظم المناطق الأفغانية المهمة، ومع أن طالبان قد فرضت الأمن الذي غاب طويلا بسبب أمراء الحرب، وحاربت الكثير من الظواهر السيئة؛ مثل زراعة وتجارة المخدرات، ومنعت إجبار الأرملة على الزواج من شقيق زوجها مثلما كان الحال قبل وصولها إلى الحكم، وأقامت القصاص شنقا على نجيب الله، وهو أمر لم تجرؤ عليه كل قوى المجاهدين الأخرى، بيد أنها انتهجت أسلوبا لا يقوم على الاستحسان، وهو منهج المذهب الحنفي الذي يفترض أنها تتبعه؛ فقد وسعت دائرة الحرام، وضيقت دائرة الحلال، مستندة إلى أدلة نواقضها أقوى منها، وتعاملت بمبدأ التحريم مع كثير من المخترعات العصرية لا سيما التصوير التلفزيوني والفوتوغرافي، ولجأت إلى القوة والبطش لتثبيت مفهومها للإسلام- وهو مفهوم خاضع للجدل من علماء السلف والخلف- بدل اتباع أسلوب النصح والإرشاد، والموعظة الحسنة...وقد وجد من تعاطف وما زال مع حركة طالبان في صفوف الإسلاميين، كما أن مقاومتها الباسلة للغزو الأنجلو-ساكسوني، كانت وستبقى محل تقدير كبير، ولكن كل من تعاطفوا مع طالبان، وعلى المستوى الفردي، لم يكن أي من المناصرين أو المتعاطفين مع طالبان في بلاد العرب  على استعداد أن يحكمه نظام مثل نظام طالبان، وجدير بالذكر أن أفغانستان في ظل نظام طالبان ظلت تعيش في توتر وفقر، واعتمد السكان هناك كثيرا على الإغاثات الدولية، وانتهى مشروعها إلى ما انتهى إليه...فكان الإحباط من التجربة الأفغانية التي امتد حلمها أكثر من عقدين من الزمان-بدأ منذ مرحلة الجهاد ضد الروس، وانتهى بحكم طالبان، مرورا باستيلاء المجاهدين على كابول- ضيفا ثقيلا على قلوب كثير من الإسلاميين في العالم. .....يتبع.
     ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجمعة 19 شعبان 1434هـ ،28/6/2013م

من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...