أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(5-5)


أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(5-5)
-الجزء الخامس-
بقلم: سري سمّور

سادسا:كثرة الاجتهادات حول طبيعة ومفهوم الدولة وطريقة إقامتها:-

هل نظام الدولة الإسلامية العتيدة رئاسي أم برلماني؟ أم أنه نظام الخلافة؟ وما هي صلاحيات الخليفة؟وهل الشورى معلمة أم ملزمة؟ثم ما هو مفهوم الدولة الإسلامية فعلا؟هل من الضروري أن تحمل اسم الإسلامية؟وهل الدولة الإسلامية هي الدولة المدنية؟وهل الدولة الإسلامية فقط تلك التي تطبق فيها أحكام الشريعة؟وهل تقتصر أحكام الشريعة فقط على الحدود والقصاص مثلما انشغلت بعض المجموعات في هذه المسألة؟وكيف نتعامل مع الدول الغربية، خاصة أمريكا التي ستسعى لإحباط أي تجربة إسلامية؟وهل المهم أن تكون الدولة بدستورها وقوانينها وفكر من يحكمها إسلامية دون مراعاة فكر المجتمع؟والمجتمع هو إسلامي بالفطرة، ولكن ما مدى تقبله لتجربة إسلامية قد تجلب عليه عقوبات دولية؟ ثم إن الدول والنظم القائمة قامت على أساس غير إسلامي، بل في عقيدتها محاربة الإسلاميين، والتصدي لكثير من المفاهيم الإسلامية، فكيف سيمكن «أسلمة» نظم هذا هو حالها؟هذه أسئلة تتفاعل وكثيرا ما تطرح، ولكل حركة أو جماعة إسلامية إجابة أو وجهة نظر حولها، أحيانا تكون صريحة واضحة، وأحيانا مبهمة أو متروكة للظرف الزماني والمكاني...ثم هل الحل لإقامة الدولة الإسلامية يكمن بحمل السلاح والتصدي العنيف للأنظمة العلمانية المدعومة من الغرب؟أم بالإصلاح التدريجي للدولة والمجتمع؟خلال السنين الماضية انحسر وتراجع إلى حد كبير أنصار الرأي القائل بالحل القائم على القوة، بل إن حركات وجماعات تبنت هذا الحل ومارست العنف أعلنت تغيير أساليبها، وتوجه الإسلاميون نحو الشراكة السياسية، وأبدت حركات إسلامية مرونة منقطعة النظير في التعاطي مع الحركات العلمانية واليسارية والقومية، بإقامة تحالفات، والقبول بالآليات المتاحة للمشاركة في الحكم والدولة، وذلك بناء على اعتبارات عدة؛ منها أن الإسلام قائم على مصلحة البلاد والعباد، ومنها أن تراكمات عصور تراجع للدولة الإسلامية عبر قرون، واستعمار غربي، تلاه نظم استبدادية مدعومة من الاستعمار، أمور ومعضلات تحتاج إلى وقت طويل لعلاجها، والصدام يجلب الدمار والضرر على العاملين في الحق الدعوي.
وكانت النتيجة المتوقعة هي أن الإسلاميين من خلال صندوق الاقتراع يحصدون فوزا واضحا، ولكن القوى العلمانية ومن خلفها الدول الغربية تقدّس الانتخابات وصناديق الاقتراع بشرط ألا تحمل الإسلاميين إلى سدة الحكم، وهو أمر ملحوظ، وكان له تداعياته على العاملين والأنصار، بحيث أنهم يشعرون بأن لا العنف يأتي بنتيجة، ولا القبول بالمشاركة تحت الدساتير والأنظمة القائمة يأتي بنتيجة، وفي كلتا الحالتين نرى أن مصير العاملين هو أنهم يعانون من القمع والتعامل الأمني العنيف معهم، مما ولّد لديهم شعورا بأن عليهم الحفاظ على أنفسهم، وتراجعت رغبتهم في تغيير المجتمع والدولة، وهذا طبيعي في ظل استنفاذ الوسائل المتاحة للتغيير.
وإذا استمر الانقلاب العسكري في مصر، فإن فكرة المشاركة السياسية ستصبح أشبه بملهاة، وسيتعزز التفكير الصدامي، حتى لو كانت عواقبه وخيمة، لأن من اختاروا المشاركة والمرونة لم يسلموا من القمع والإقصاء والاستئصال...فالوضع الآن على المحك والأعين تتجه نحو مصر، وتجربة مصر ستقرر وجهة الحركات الإسلامية في العالم أجمع، وليس فقط حركة الإخوان المسلمين.

سابعا:إهمال القضية الفلسطينية:-

هناك سؤال مطروح وهو:لماذا لم تتحدث عن تجربة حماس وحكمها لقطاع غزة؟والجواب أن فلسطين تحت الاحتلال، وليست دولة مستقلة ذات سيادة وحدود مفتوحة، وفي جزء صغير من فلسطين وهو الوسط الشرقي(الضفة الغربية) باستثناء مدينة القدس، وقطاع غزة(1% من مساحة فلسطين الانتدابية) هناك نوع من الحكم الذاتي الخاص بإدارة شؤون المواطنين، وقد دخلت حماس في السلطة لأسباب معروفة،  وحماس أعلنت وما زالت أنها ملتزمة بالقانون الأساسي الفلسطيني، وأنها لا تريد إقامة إمارة خاصة بها في غزة، ومع أنها سلطة أمر واقع في غزة، إلا أن هذا لا يغير من أنها ليست حزبا سياسيا...وعلى كل تقييم تجربة حماس مرتبط بالقضية الفلسطينية، وبها كحركة فلسطينية، وهو يجب أن يكون منفصلا عن الحديث عن التجارب الأخرى.
والحديث عن فلسطين يقودنا إلى النقطة الأخيرة والأهم في المقال، وقد جعلتها متأخرة، بل ترددت في طرحها، كي لا يحكم عليّ وفق النظرية الجامدة «الفلسطينيون يعتبرون مشكلتهم أكبر من كل مشكلات العالم!» ولكن أنا هذه المرة مسلح بالتجربة؛ فإيران عبر استثمارها بحزب الله، ها هي تفرض معادلاتها على الأرض وبقوة، كما أن فلسطين قضية جامعة للأمة، لو أحسن التجييش حولها، بل هي قضية كافية لتأجيل الكثير من الملفات، التي ستحل تلقائيا بعد تحرير فلسطين.
والأهم من كل ذلك، إن الغرب حينما ينظر إلى أي مشروع إسلامي، فإنه يكون مسكونا بهاجس الثنائية المعروفة «إسرائيل والنفط» ولهذا فإنه في ماليزيا لم يعرقل، وسمح لتركيا أن تصعد، أما مصر فالمشهد أمامنا...فلو أن المشروع الإسلامي قام على جعل فلسطين نقطة انطلاقته لكان أفضل.
ومشكلة الحركات الإسلامية، أنها اتبعت نظرية تقوم على تقوية نفسها في أراضيها ودولها، على اعتبار أن هذا سيفيد فلسطين وشعبها مستقبلا، وقرأت بطريقة خاطئة سيرة صلاح الدين الأبوبي-رضي الله عنه- والذي كان يبني دولته ويبني مؤسساتها العلمية والاقتصادية، دون أن يترجل عن حصانه وهو يقارع الصليبيين ويجاهدهم ويسترد منهم الحصون والقلاع والمدن المسلوبة، بل إن بعض الإسلاميين، ظنوا أنهم يمكن أن يساوموا أمريكا بتأجيل ملف فلسطين، حتى تغض الطرف عنهم، وتبين أن كل هذا خطأ، وأنا على يقين أن الحركات الإسلامية لو جعلت فلسطين بوصلتها، وأعلنت أن هدفها تحرير فلسطين، قبل أي شيء آخر لرأت ما يشبه المعجزات، فلهذه الأرض بركات من الله تعالى، ولم نبتعد، فحماس التي انبثقت عن الإخوان المسلمين، حققت خلال بضع سنين تقدما ونجاحا، علما بأن الإخوان في فلسطين عمرهم عشرات السنين قبل تأسيس حماس، وهذا ليس لأن حماس حركة فلسطينية فقط، ولو أن إخوان الأردن وسورية ولبنان فعلوا ذلك لرأوا الأمور تتغير لصالحهم، فلم لا يجربون ذلك؟لقد خاضوا تجارب كثيرة، ألا يستحق مسرى محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجربوا؟
السؤال كيف ذلك، ونحن نرى حماس محاصرة ومقاطعة ومدموغة غربيا بالإرهاب، ومثلها الجهاد الإسلامي؟ صحيح، ولكن لو أن التركيز كان على فلسطين بالدعم المالي السخي وإدخال السلاح، وعدم التذرع بالمحيط العربي، لأنه ثبت أن الإرادة السياسية تخترق كل الحواجز الأمنية، وجعل القضية حاضرة في كل بيت عبر إعلام ذكي، لأحدث المشروع الإسلامي اختراقات لا يستهان بها، ولكان وضع فلسطين أفضل.
ولكن رأينا خذلانا لفلسطين أو تأجيلا مستهجنا لقضيتها، بدعوى التمكين للمشروع الإسلامي في دولة ما تمهيدا لتحريرها، وهذا ما ثبت إخفاقه،كما ذكرت...ونعلم أن الإخوان المسلمين لم يتحمسوا في البداية لخطوة الشيخ الشهيد أحمد ياسين بتأسيس حركة حماس، متذرعين بعدم قدرتهم على توفير الدعم الكافي لإنجاحها، ولولا بعد نظر الشيخ، وتصميمه، لبقيت فلسطين في ملف فرع الشام داخل الجماعة!
إن فلسطين هي كلمة السرّ لنجاح المشروع الإسلامي، وما دون ذلك ملهاة، وأنا واثق أن الحركة الإسلامية العالمية ستتوصل إلى هذه النتيجة في نهاية المطاف، ولكن لم إضاعة الوقت؟ فقد جرّبتم كل شيء، حاولوا في فلسطين، فلها قدسية مبهرة، تجعل خلافات كثيرة تذوب أو تؤجل!
الخلاصة:  هذه سبع أراها أهم عوامل الفتور تجاه إقامة دولة إسلامية، والانشغال بتطويع النصوص والالتفاف عليها، وكأننا نريد «علمنة الإسلام»...يجب عدم التخلي عن هدف إقامة دولة إسلامية قوية تزيل حدودا رسمها الغرب، ولكن يجب  أن تكون فلسطين نواة المشروع، وألا تنشغل الحركات الإسلامية عنها، بدعوى التمكين والمنعة تمهيدا لتحريرها، لأن النتيجة هي كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، ولا بدأن يحسن العاملون قراءة الواقع، وأن يكون لهم مؤسسات بحثية علمية تفيدهم في قراءته، وألا يتعاملوا بردات الفعل وثنائية الأبيض والأسود....والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
     ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
السبت  27 شعبان 1434هـ ،6/7/2013م

من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...