نحتاج إلى حماس الفتحوية(2-2)




#نحتاج_إلى_حماس_الفتحوية(2-2)
-الجزء الثاني-
بقلم: سري سمّور

 (5)حماس...جناحان للوطن

حماس ولدت من رحم الإخوان المسلمين في فلسطين، والذين بدأ نشاطهم في الأرض المقدسة منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين، وكان العديد من قادة فتح المؤسسين إما منتظمين في صفوف الإخوان، أو على علاقة مع الإخوان في مجال التنسيق والتدريب وغير ذلك.
ومع ذلك امتازت علاقة الطرفين بالتوتر والصدام في معظم الفترات، ومن الخطأ والتسطيح الظن أن الصدام عمره بضع سنين، ولكن في الماضي كان الصدام يحاصر ويضبط باتـفاقيات شفوية أو مكتوبة بين قادة الطرفين وبإجراءات على الأرض تتوقف فيها المشاحنات تارة، ثم تعود تارة أخرى، وبالطبع يختلف الأمر من منطقة إلى أخرى، فغزة كانت الاحتكاكات فيها منذ زمن بعيد أكثر من غيرها من المناطق.
ولكن ما سبب الصدام والاحتكاكات التي قادت أخيرا إلى انقسام مستمر؟هل هي الخلاف على من يمثل الشعب ويقوده؟ أم خلاف حول حسم الخيارات الوطنية؟أم خلافات شخصية وسوء تـفاهم؟أم أن مخابرات الاحتلال تـقف وراءها؟أم التناقض في البرامج السياسية؟أم افتقار البنية والقواعد الشعبية للطرفين لثقافة الحوار والرؤية التكاملية؟أم كل ذلك؟
حماس انطلقت وأخذت تكبر وتتمدد في وقت كانت فيه فتح على وشك الدخول في عملية التسوية القائمة على انتصار وتـفوق العدو، ومثلما كان هناك قيادات فتحوية أصلها إخوان مسلمين، كان هناك قيادات وعناصر حمساوية أصلها فتحوي!
صعدت حماس، وفازت على فتح في النقابات ومجالس الطلبة التي كانت حكرا على فتح لسنوات طويلة، وتبنت حماس ومارست خيار المقاومة لتحرير الأرض، ووجهت ضربات موجعة جدا للاحتلال.
ومما ساعد حماس وزاد من أوراق قوتها وجعل الضغط العربي عليها أقل جدوى، أن ثـقلها البشري تركز وتمترس في الداخل، خاصة نشاطها العسكري الضارب، والذي شهد تطورا دراماتيكيا بمرور السنين.
ولكن حماس لم تستطع أن تحل محل فتح كتنظيم شعبي جماهيري حتى بتقدمها في الانتخابات، وجعلها الزمن الذي لا تـقبل فيه فتح الفوز بأقل من 85%-90% من الأصوات في أي انتخابات تاريخا ماضيا، فقد ظلت فتح التنظيم الأكثر قدرة على الحشد والتأثير وتسيير حركة الشارع الفلسطيني في الداخل، مع أن حماس تبنت ومارست الكفاح المسلح، وهو الأمر الذي ضاعف كثيرا من رصيدها الشعبي، في وقت لم تعد فتح تمارسه، ولكن ظلت حركة الشارع وتوجهاته محكومة بقرار فتح، سلما أو حربا، بدليل انتفاضتي النفق والأقصى، صحيح أن الهبات أولها تكون عفوية شعبية ومعروف أن شعبنا يسبق أو يتقدم على فصائله، ولكن فتح هي ضمانة الاستمرارية بلا منازع، والأحداث الأخرى والأخيرة(استشهاد أسرى واعتداءات متكررة على المقدسات) التي لم تحدث فيها انتفاضة،  لأنه ببساطة لا يوجد قرار بالتحرك لدى قواعد فتح أو كوادرها؛ مع أن تنظيم فتح عموما هلامي، وربما يجمع كثيرين منه الانتماء إلى الحركة وكل له رأيه وتوجهاته ومنهجه، ولكن الكتلة الكبيرة من التنظيم الميداني توجهاتها وسلوكها يقرران حركة الشارع.
قد يكون التعليل أن فتح تملك السلطة وأدواتها ومقدراتها، والدليل أن فتح لا يمكنها مثلا إطلاق المقاومة من غزة لأن المتحكم هناك حماس، مثلما لا يمكن لحماس إطلاق انتفاضة من الضفة الغربية لأن المتحكم فيها فتح، ومع أن هذا الكلام له وجه من الصحة، ولكن ثـبت أن فتح هي الفتيل أو صاعق التفجير في أكثر من اختبار؛ ففتح حين قررت الهدوء كان لها ذلك، وأعني على مستوى الحالة العامة السائدة، وعلى مستوى المزاج والحالة النفسية للشعب الفلسطيني، فما بين 1993م-2000م نـفذت حماس والجهاد الإسلامي وأحيانا الجبهة الشعبية عمليات ضد الاحتلال، امتاز بعضها بالقوة والنوعية(مثل التفجيرات التي توقع عددا كبيرا من القتلى و الإصابات و أسر الجنود) ولكن الحالة العامة لم تكن انتفاضة في تـقييم الجميع، حتى أن حماس نـفسها تـقر بذلك، والسبب أن فتح لم تكن تريد ذلك وإن أقرت فتح أن تهدئة الوضع لم تكن كما تشتهي؛ واليوم تذهب دعوات حماس والجهاد للمقاومة سدى، ومتى قررت فتح الانخراط في عمل مقاوم يتغير كل شيء، وهذا يؤكد القاعدة التي ذكرتها في بداية المقال:لا سلام بدون حماس ولا حرب بدون فتح!

(6)حماس تحتاج إلى قرار جريء

الكل مجمع أن الشعب بحاجة إلى فتح، ولا يقصدون فتح بوضعها الحالي الذي يؤكد قادتها وقواعدها أنه بحاجة إلى استنهاض، بل يـقصدون أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى حركة تعبر عنه، وقادرة على الحشد والتجييش دون أن يكون لها أيديولوجيا صارمة، والأهم أن تتبنى المقاومة وبأسلوبها المسلح، حتى لو أبدت مرونة سياسية، وللأسف يرى جزء كبير من عامة الناس أن لا فتح ولا حماس تحققان حلم الشعب، وهناك ضيق لدى شرائح تتزايد من شعبنا من حالة المناكفة والعداء بين الطرفين.
تكاد الحالة الفلسطينية الراهنة أن تشبه وضع الفلسطينيين عشية انطلاقة فتح قبل حوالي 48 سنة؛ فهناك مزايدات تنظيرية بين القوى المختلفة، وانشغال كل طرف بتأييد جهة ما في المحيط والعالم، وانشغال رسمي وحتى شعبي عربي بالشأن الداخلي، وأرض تضيع وتتسرب وهذه المرة المسجد الأقصى وهو قلب فلسطين يتعرض للتقسيم الزماني والمكاني علنا، فما العمل؟
من الصعب إطلاق حركة جديدة في فلسطين، ولو انطلقت فقط ستزيد فقط عدد المتحدثين والناطقين وأمناء السر أو ما شابه، وحماس أمام امتحان صعب يتطلب منها قرارا جريئا؛ فمثلما كان قرار الشيخ أحمد ياسين-رحمه الله- وزملاؤه جريئا وفرض إنشاء حماس على تنظيم الإخوان المسلمين، يجب على حماس أن تتخذ قرارا جريئا بأن تتحول إلى حركة شعبية مثل فتح، ويمكنها الحفاظ على تنظيم الإخوان في فلسطين، وهو موجود كما نعلم، بحديديته وبنيته الخاصة؛ ولا أقول بأن تتحول حماس إلى تنظيم يتخلى تماما عن الأيديولوجيا، ولكن أن تصبح تنظيما أوسع أفقيا وعاموديا وأن تخفف من القيود، وبصراحة كلنا يعلم أن التنظيمات هي نظام حياة، ومن عايش سكنات الطلبة والسجون والبيوت الخاصة لكل ملتزم بتنظيم يعرف ذلك، فقد تتشابه التنظيمات في مرحلة معينة بالأهداف السياسية ولكن نظام الحياة يختلف، وقد شهدت كل من حماس وفتح تغيرا في نظامي حياتهما خلال السنوات الماضية، ولكنه ظل محدودا، وعلى حماس التحلي بالجرأة وترك الآراء السلفية في العديد من القضايا كي تتحول إلى تنظيم شعبي جماهيري، وقد فعلت ذلك في بعض المسائل ولكن بخجل وبطء، ومطلوب من حماس أن تتخلى عن الجمود، والأخذ بالرأي المتشدد زيادة في الحيطة، وهي-إن فعلت- لن تتخلى عن كثير من الأمور، لأن شعبنا ببساطة محافظ، والتدين فيه راسخ، ولكن الانغلاق والاستمرار في النهج الحالي لن يحيل حماس إلى تنظيم شعبي جماهيري يلتف الناس حوله مثلما التفوا حول فتح، وبالتالي فإن برنامج المقاومة الذي تتبناه حماس لن يسير، وستظل حماس متورطة في أزمات غزة من كهرباء ووقود وغيرها.

(7)مبادرة سياسية ثورية جريئة

وبعد أن تشرع حماس بخطوات عملية كالتي ذكرتها أعلاه، عليها أن تـقدم مبادرة سياسية ثورية؛ وألا تظل أسيرة خيارين لا يقدمان لفلسطين شيئا؛ وأعني الشعارات الكبيرة بعيدة المنال، أو السير في ركب عملية التسوية التي بان عوارها ولا جدواها.
وهنا على حماس أن تتعلم من تجربة الرئيس البوسني السابق علي عزت بيجوفتش-رحمه الله- فالرجل أدرك أن وجود شعبه المسلم في البلقان مهدد، أو مطلوب منه التخلي عن هويته ودينه، ولأن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية لم يركب الرجل موجة الشعارات حول مشروع إسلامي كلنا(وأنا أكثر المتحمسين له بالمناسبة) نحلم به من طنجة إلى جاكرتا، لأنه على ثغر البوسنة، وأمامه مهمة آنية هي إنقاذ شعبه من المذابح وحفظ كيانه من نهاية مأساوية، وقد نجح عبر السير بين صخور السياسة المعقدة، من إنـقاذ شعبه المسلم الذي قتل وحوش الصرب وشردوا الكثير منه؛ ونحن شعب فلسطين شعب اللجوء والنكبات بامتياز من حيث العدد والزمن، وأرضنا ضاع معظمها والباقي يضيع وخاصة مسجدنا الأقصى المبارك، فينبغي منا ميعا التركيز على إنقاذ الشعب والوطن، أو ما يمكن إنـقاذه، وهذا مستقبلا يخدم المشروع الإسلامي الكبير، ولكن أن يكون تركيزنا على فلسطين أولا وثانيا وعاشرا!
 وأتذكر مبادرة تـقدم بها أحد قادة حماس من قطاع غزة في 2006 بعد فوز الحركة في الانتخابات عن تصور لتحرير الأراضي المحتلة سنة 1967م خلال عشر سنوات(2016م) ولم تكن الظروف مواتية للاستجابة، لأسباب عدة منها ما ذكرته من أن حماس لم تتمكن من الانتقال من التنظيم الحديدي المغلق التابع للإخوان المسلمين الذي يمارس المقاومة، إلى حركة شعبية فلسطينية مقاومة، والفرصة الآن قائمة؛ فلتتحول حماس إلى ما يشبه فتح في الحشد والتأييد والتجييش والشعبوية، تزامنا مع طرح برنامج يمكن أن يلتف حوله كثير من أبناء الشعب والأمة.
وأخيرا وليس آخرا في السطور السابقة قدم العبد الفقير تصورا عن ضرورة تغيير ثوري خاص بحماس، فماذا عن فتح ألسنا بحاجة إلى فتح الحمساوية مثلا؟ بلى، ولكن فتح ستتغير تلقائيا عندما تصل المفاوضات إلى طريق مسدود تماما، كما أن تغير حماس بالطريقة التي ذكرت يعني تلقائيا تغيرا ملحوظا في فتح، فقد ثبت تأثر الحركتين ببعضهما رغم الخصام!
وبانتظار خطوات جريئة وثورية لصالح الشعب والقضية من جميع القوى لا سيما فتح وحماس في الفترة القادمة بعون الله.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجمعة 14 ذي القعدة 1434هـ ،20/9/2013م

من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...