ترميم الثقافة الوطنية(1-3)




ترميم الثقافة الوطنية(1-3)
-الجزء الأول-
بقلم:سري سمّور

(1)إضراب الأسرى وأمنيتي

منذ يوم الخميس 24-4-2014م بدأ حوالي 200 معتقلا إداريا إضرابا مفتوحا عن الطعام في سجون الاحتلال؛ ومعظم الذين أضربوا جرى قمعهم ونقلهم إلى سجون ومعازل مختلفة، وكما توقعت لم يكن لخطوتهم أثر واسع على الشارع والجمهور، ودعك من بعض المسيرات المتفرقة...وبالتأكيد فإن التفاعل مع  مباريات الكلاسيكو، ومع برامج مواهب غنائية فنية مثل «عرب أيدول» يفوق بنسبة صادمة حجم التفاعل مع قضية الأسرى، بل وقضية المسرى!
ولأن أيمن اطبيش المضرب عن الطعام منذ 28-2-2014م لم ولن يحرك وجدان عدد يذكر من الناس؛ أغلبهم من أهله وخاصته، وكذلك زملاؤه في معركة الجوع من أجل الحرية والكرامة؛ فأنا وبكل صراحة صرت أتمنى أن تعتقل قوات الاحتلال محمد عساف فيخوض إضرابا عن الطعام فيحدث حراك شعبي لصالح الأسرى!
أنا لا أمزح ولا أهذي فلعل القطاع الخاص الذي تجنّد من أجل دعم الفنان محمد عساف-مع احترامي- يقدم شيئا ذا قيمة لنصرة الأسرى المضربين؛ علما أن بعضا من هذا القطاع الخاص نظم بعد بضعة أيام من إضراب الأسرى الإداريين مهرجانا للموضة والأزياء، لا تمت للفلكلور الفلسطيني بصلة، وحتى لو كان المهرجان فلكلوريا وتراثيا بامتياز، كان يفترض أن يتم تأجيل مثل هكذا نشاط، ورحم الله أياما كان الناس يستأذنون أهل الأسير أو الميت لحفل عرس على كتاب الله وسنة نبيه، وحتى حينما يأخذون الإذن فإنهم يقومون بالأمر على استحياء!
ولعل ثمة من يسألني:لماذا تركز على القطاع الخاص، وتترك المستوى الرسمي؟أجيب وليس في نيتي تملق أحد ولا المزايدة على أحد: المستوى الرسمي متقدم بآلاف السنين الضوئية على نظيره الخاص في موضوع الأسرى، بل إن تطبيق نظام العيش الكريم للأسرى المحررين-صدر به


مرسوم رئاسي- يكفي وزيادة، أقلّه حاليا...فيم القطاع الخاص لا بصمات تذكر له على قضايانا الوطنية الحساسة اللهم إلا بالتقاط الصور والتصريحات الإعلامية.
ما الذي دهانا، ولماذا تراجع إلى حد مخجل بل مخز حجم تفاعلنا مع قضيتنا الوطنية بفروعها وتوابعها وملحقاتها؟ أي تبلّد في الإحساس اجتاحنا؟إن ثقافتنا الوطنية قد تضررت وتحتاج إلى ترميم، ويجب قبل طرح اقتراحات لترميم هذه الثقافة أن نستعرض عدة عوامل من الماضي والحاضر أعتقد أنها أوصلتنا إلى هذه الحالة من اللاشعور!

(2)الخلاص الفردي


قالت لي السيدة أمي-حفظها الله وكذلك قال كبار السن من الجيران والأقارب والعديد من المدرسين الأفاضل:«امسك راسك باديك الثنتين وإياك تدخل بشي لأنو اللي بصحلو هواي بتروح  براسو»... كم نسبة من سمعوا هذا الكلام من ذويهم في مجتمعنا؟هي  كبيرة بلا شك وعادة يتبعها «الكلاشيه» التبريري الجاهز:حينما يفتح باب الجهاد للجميع كن أول الصفوف، ويضاف إلى ذلك: وحينما يشترك أبناء العائلة سين و أبناء العائلة صاد في المقاومة شارك ولا يهمك...هذه الثقافة سبقت التغيرات الدولية والإقليمية وسبقت أوسلو، وسبقت مدريد وسبقت الانقسام، كي لا نجعل ما ذكر شماعات نعلق عليها بؤس ثقافتنا التحررية؛ وهي قائمة على ضرورة أن تحرص أيها الفلسطيني على ذاتك وشأنك الخاص بأنانية مطلقة وإن كنت مسئولا عن شيء فما عليك إلا مراعاة ظرف أمك الأرملة المسكينة التي كابدت كي تكبر وتصبح رجلا وألا تفجعها بفراقك قتيلا أو أسيرا أو جريحا ،و أن تراعي ظرف والدك الذي عمل وتعب وقصم ظهره كي يراك وقد كبرت لتعينه على نوائب الدهر وترعى شؤون أخواتك وإخوتك، ولا علاقة لك بفلسطين فليحررها زعماء العرب وأبناء الذوات!
 ويمتزج بهذا الشحن العاطفي الأناني ذلك التنافس الأخرق بين فروع العائلة الواحدة والعائلات الأخرى والجيران على وجاهة فارغة ومكانة وهمية، لأن من احتلت أرضه ويتحكم به اليهودي لا قيمة له إلا باسترجاع أرضه؛ فالفرد الفلسطيني يجب إن يسعى إلى المال  أو العلم لهدف رئيس:أن يقهر ويغيظ بيت فلان (بدنا نكيد فيك العدا)...فمع الأسف لم نتعلم ولم نرسخ في أنفسنا بأن

الهواء الذي نتنفسه ملوث مادام هناك احتلال صهيوني، وتصورنا، وما زال كثير يعتقد، بأنه يمكن لنا العيش تحت الاحتلال بحب وسلام ووئام، وكنا ولا زلنا نصرّ على ون من لا يواجه
الاحتلال سينجو...بل ذهبنا و عملنا  في منشآت الغزاة وبنينا لهم اقتصادهم وتهاونا مع كل حجر أو كرفان بني في المستوطنات التي انتشرت فوق الأرض التي هي لب وأساس الصراع كما ينتشر
السرطان الخبيث في الجسد...كل هذا ونحن كنا ولا نزال نفكر بالخلاص الفردي، والمرء  فينا شعاره المعلن أو المستتر: اللهم إني أسالك نفسي، مع مواساة للقلب بأن فلسطين والقدس ليست لنا وحدنا...وبأن رعاية الأم والأب والأشقاء هي جهاد وكفاح،  وأن العلم الذي لا يتعدى الحصول على شهادة دون إنتاج يذكر،  وإنجاب الأطفال هي أيضا مقاومة وصمود...مع تكرار المتلازمة لكل حديث:فلسطين لكل العرب والمسلمين وليس لنا وحدنا فليأتوا لتحريرها...ونربي كل مولود على أن عليه أن يتعلم ويحصل على شهادة، وإذا كان ضعيفا في الدراسة أن يتعلم مهنة، ويتزوج ويبني بيتا دون أن نلقنه أن لا حياة مع الاحتلال!
 ونسينا أو تناسينا بغباء متواطئ حقيقة كوننا  نحن المستهدفون في وجودنا وليس شعب أو بلد آخر نلتقي معه في اللغة أو الدين، وأن الأطفال الذين ننجبهم لا مستقبل لهم لأنه لا يوجد لهم أرض يعيشون فوقها مادام الاستيطان قائما،  بل لن نجد حتى ماء نشربه ولا خبزا نأكله بعد سنين إذا استمر هذا الحال.
 وزاد أو عزز ثقافة الخلاص الفردي أن الاحتلال تعامل مع كل منطقة فلسطينية بسياسة خاصة، فهمّ المقدسي ليس كهمّ النابلسي وهذا همه ليس كهم الغزيّ...وأصبح كل فلسطيني له همومه ومشكلاته واهتماماته الخاصة، التي لا يأتي الخلاص من الاحتلال في مقدمتها، بل قد لا يدخل ضمن الحسابات الخاصة لدى كثير منا، وباتت كل منطقة فلسطينية تواجه مصيرها وحدها؛ فهذه منطقة تواجه التهويد والاستيطان، وتلك تواجه الطرد والترحيل، وأخرى تواجه القتل والاغتيالات...يتبع.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأحد  5 رجب 1435هـ ، 4/5/2014م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...