"إسرائيل" مضطرة إلى الشفافية وأمور أخرى


إسرائيل مضطرة إلى الشفافية وأمور أخرى



بقلم:سري سمّور

بداية أقول بأنه ليس الهدف من كتابة هذه السطور تبرير الواقع العربي المزري في مجال حرية الرأي والتعبير والشفافية، أو الدفاع عن الفساد الذي يضرب أطنابه في مفاصل الدولة العربية الحديثة، أي دولة ما بعد الاستعمار الأوروبي حتى الآن؛ ولكن الهدف هو توضيح الصورة التي أراها ملتبسة ومتداخلة حينما تجري مقارنة أوضاع إسرائيل مع الدول العربية؛ فيأتي أشخاص من النخبة ومن العامة يقولون:أنظروا إلى إسرائيل حيث أنه لا حصانة لفاسد، بل يدخل رئيسها السجن بتهمة التحرش الجنسي، ويجري التحقيق مع رئيس وزرائها أولمرت ويتم إقصاؤه بشبهات مالية، ونتنياهو وزوجته سارة ربما يلقى كل منهما المصير ذاته بسبب الهدايا، وهناك شبهات تدور حول وزير حربها ليبرمان قد تؤدي إلى إلقائه في السجن، أو خارج الملعب السياسي، وأيضا هم يبذلون قصارى جهدهم من أجل تحرير جندي أسير واحد، بل لاستعادة جثث وأشلاء لجنودهم، فلا يدعون رئيس دولة أو منبرا في العالم إلا وطرحوا هذه القضية أمامه، ويستبدلون مئات الأسرى بجندي واحد فقط، فأين العرب من إسرائيل في هذه المجالات، بل أين هم من الديموقراطية وتداول السلطة في دولة عمرها أقل من 70 سنة؟!
الحديث بهذه الطريقة يبدو لي منطويا على جهالة بحقيقة الأشياء، أو يتغافل بقصد أو بغير قصد عن واقع إسرائيل لمن أراد تأمله، وسأوضح فكرتي بالنقاط التالية:-
1) إسرائيل دولة قائمة على الجيش والأمن؛ فهي كما يقال جيش له دولة وليس العكس، وتعيش هوس الوجود والهوية في منطقة عربية وإسلامية، كونها تختلف تماما عن المكوّن الثقافي والحضاري في هذا المحيط، وبالتالي لو تقاعست في قضايا الرشوة والفساد فإنها ستجد أمنها مهددا وتحت الخطر الشديد، فهم يفكرون مثلا:لو سكتنا عن رشوة أو هدية لمسؤول كبير، فهذا يعني أن ضابطا أو جنديا سيتلقى رشوة ويبيع سلاحا لعناصر المقاومة الفلسطينية، أو يغض الطرف عنهم، أو سنجد ناشطا في المقاومة أفلت من الاغتيال أو الاعتقال بثمن مالي دفعه هو أو تنظيمه لهذا المسؤول أو ذاك، وبالتالي سيصبح مصير الدولة كلها مهددا في وجوده، فلسان حالهم:نحن لسنا مثل الدول المجاورة أو البعيدة، حيث أن الفساد والرشوة تؤثر على الدولة وأداء أجهزتها، ولكنها تستمر كدولة، بل سيكون وجودنا الفيزيائي نفسه مهددا لو أننا أغفلنا أو غضضنا الطرف عن مسؤول مرتش أو فاسد!
2)  مجتمع إسرائيل هو مجتمع مهاجرين قادمين من دول ذات ثقافات مختلفة، وروابطهم الاجتماعية والنفسية أقل من نظيرتها عند جوارهم، ولو ظهر عكس ذلك، وكثير من سكانها، بل لنقل مستوطنيها، يحملون جنسيات دول أوروبية مستقرة، يمكنهم العيش فيها بسلام ورخاء، فما الذي يجبرهم على العيش في دولة دكتاتورية عالمثالثية، في حال تخلّى حكام إسرائيل عن الشفافية النسبية وحرية الصحافة؟ولم نعيش في كنف دولة يعشش فيها الفساد ويفعل المسؤول فيها ما يحلو له دون أن يجرؤ أحد على محاسبته؟فلنرحل من هنا!
3) النقطة أعلاه أيضا تعني أن مجتمعا فسيفسائيا هشا يجب أن يظهر قادته اهتماما كبيرا بأفراده وأبنائه الأسرى والحرص على عودتهم إلى ذويهم ولو كلف ذلك ثمنا باهظا، حسب تعبيرهم، لأنه إذا شعر جندي أن دولته لن تفعل له شيئا لو وقع أسيرا، أو حتى ستهمله وتنساه، فإن خياره سيكون بلا ريب هو البحث عن مكان آخر يعيش فيه بأمن وسلام، وجدير بالذكر أن الجندي جلعاد شاليط الذي مكث خمس سنوات أسيرا لدى حركة حماس يحمل الجنسية الفرنسية، فتأمل كم مثله لديهم؟
4) من أين جاءت فكرة طهارة ونقاء إسرائيل من الرشوة والفساد والدكتاتورية؟طبعا هنا نتحدث عن إسرائيل باعتبارها مستعمرة غربية، لا تقارن بدول العالم الثالث، كونها أنشئت ونمت وترعرعت برعاية ودعم في كل المجالات من الغرب، فهناك فساد وعصابات مافيا في إسرائيل، ووقت الحرب يتم تحويل مؤسساتها الصحافية والإعلامية إلى تابع لأجهزتها الأمنية، فتختفي الصورة التي نراها من الشفافية والحرية، بل حتى بعد الحرب، ولدواعي أمنية يتم منع نشر كثير من الحقائق والمعطيات، وما ينشر خاضع لرقابة وإشراف أجهزة استخباراتها، ناهيك عن كون كثير من صحافييها البارزين هم عناصر في الجيش والمخابرات قبل أن يتركوا الخدمة وينتقلوا إلى عالم الصحافة، فتظل عقليتهم وتفكيرهم محكوما بسقف المخاوف والهواجس الأمنية أكثر من الحرص على الحقيقة.
إسرائيل ليست دولة مثالية كما يحاول بعض المتوهمين أو المخدوعين أو الخادعين تصويرها، عبر مقارنة بائسة مع أحوال الدول العربية، وكل ما نراه مثاليا وإنسانيا يصدر عنها تأكدوا أن ما يحكمه بالدرجة الأولى هو عقلية أمنية وفكر استعماري بعيد عن فلسفة الحرية والديموقراطية، فواضعو سياسات وخطط إسرائيل ليسوا جان جاك روسو ولا هيغل ولا أفلاطون من قبلهم، بل هم رجال/نساء حرب ومخابرات بامتياز.
لا تخدعنكم المظاهر وتعمقوا حينما تنظرون إلى الأشياء.
،،،،،،،،،،
الجمعة  10 ربيع الأول  1438هـ ، 9/12/2016م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تويتر: https://twitter.com/SariSammour     @SariSammour  
مدونات:-



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...

إسراء عيسى في رواية "حياة ممكنة" تحاول أن تحيك خيوطا لوحدة الوطن