على هامش ذكرى مذبحة الخليل

على هامش ذكرى مذبحة الخليل



فجر الجمعة 15 رمضان 1414هـ ،25 شباط/فبراير 1994م قام اليهودي الأمريكي باروخ غولدشتاين(وهو بالمناسبة طبيب!!) وبمساعدة واضحة من جيش الاحتلال بإطلاق النار على المصلين في لحظة أستعير تعبير إعلامي سوري عنها(من أجود ما يجود به الزمان من لحظات) حيث كان المصلون في المسجد الإبراهيمي في الخليل في لحظة سجود التلاوة، والمرء يكون أقرب ما يكون  لله وهو ساجد أكثر من أي وقت، وفي صلاة الفجر، وفي يوم الجمعة، وفي منتصف شهر رمضان المبارك، فاستشهد حوالي 30 مصليا، قبل أن يتمكن عدد من المصلين من قتل غولدشتاين باستخدام أنابيب الإطفاء، وكان هناك تعطيل لنقل الجرحى من قبل حواجز الاحتلال في المدينة، وما أن حلّ المساء حتى كانت الخليل قد دفنت 49 شهيدا في ثراها الطاهر.
كانت تلك مفاجأة وصدمة، باستهداف مصلين يسجدون لله في مسجدهم بهذه الوحشية، والإعلام والمستوى الرسمي في إسرائيل استخدم تعبير(الحادث الدموي) للتعبير عن المجزرة، واضطرت حتى أحزاب اليمين المتشدد في إسرائيل إلى استنكار وإدانة المجزرة الرهيبة.
كانت محطات التلفزة تنقل صور الشهداء، وصور ذويهم الذين يمزقهم الحزن والبكاء واللوعة على ما حلّ بأحبائهم في تلك الجمعة الدامية، وكانت تلك أكبر مجزرة منذ سنين، حيث أن المجزرة السابقة كانت في مواجهات داخل ساحات المسجد الأقصى في تشرين أول/أكتوبر 1990م.
وعادة ما يكون رد الفعل الشعبي عنيفا وتلقائيا تجاه المجازر وعمليات الاغتيال، فمثلا عند اغتيال القائد خليل الوزير(أبو جهاد) في نيسان/أبريل 1988 في العاصمة التونسية، كانت ردة الفعل عنيفة جدا حيث استشهد وجرح واعتقل مئات المواطنين، وأصيب عدة جنود بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، واضطرت قوات الاحتلال إلى الدفع بتعزيزات إلى المدن والمخيمات وفرضت حظر التجوال على العديد منها.
 ولكن أقول وأنا كنت في بداية مرحلة الدراسة الجامعية، ومتابع جيد لكل التفصيلات والأحداث، بأن ردة الفعل الشعبية تجاه مجزرة المسجد الإبراهيمي كانت أقل بل أقل بكثير من حجم الحدث.
نعم حصلت هناك مواجهات ومظاهرات، كان ربما أعنفها –بعد مدينة الخليل- في القدس، وقد استشهد يومها (فادي طارق العيساوي) وهو بالمناسبة شقيق الأسير (سامر العيساوي) الذي خاض إضرابا طويلا عن الطعام.
أما في بقية المناطق فكانت ردة الفعل محدودة للغاية، صحيح أن الحزن والغضب قد خيّم على كل بيوت الفلسطينيين، مع شعور بالغبطة نحو هؤلاء الشهداء الذين لاقوا ربهم برصاص مستوطن يهودي حاقد وهم صائمون في صلاة الفجر جماعة يوم الجمعة.
ففي قطاع غزة وإن حدثت بعض المواجهات، ولكن كان اتفاق إعلان المبادئ(أوسلو) قد وقع منذ شهور وهو يتضمن انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وأريحا، وكان الناس في حالة ترقب وانتظار، وقد أنهكتهم سنوات الانتفاضة، ويريدون الخلاص ولو جزئيا من الاحتلال وليسوا في وارد فتح جبهة واسعة مجددا مع الاحتلال.
وفي الضفة الغربية عدا مدينة الخليل كانت المواجهات محدودة وأعلن الإضراب العام حدادا على أرواح الشهداء، وإعلان الإضراب يعني ضمنا تعذر المواجهة مع دوريات الاحتلال في مراكز المدن.
وكان هناك حديث كثير ومزعج عن دفع أموال كتعويضات أو مساعدات لذوي الشهداء والجرحى في الخليل من أكثر من طرف وجهة، بما فيها إسرائيل، وحيث أن الإعلام كان وقتها محدودا، طغت هذه الأخبار بعد أيام على الحدث نفسه.
حركة حماس أعلنت باسم جناحها العسكري عن نيتها الثأر والانتقام للمجزرة بخمس عمليات؛ وقد نفذت الجزء الأول من تهديداتها بعد حوالي 40 يوما من المجزرة بعملية في العفولة ثم بعدها بأسبوع في الخضيرة، وقد أسفرت العمليتان عن قتل وجرح العشرات في صفوف المستوطنين والجنود...أي أن الأمور صارت بيد التنظيمات، وغاب الفعل الشعبي، مع أن الجمهور عموما كان يؤيد وقتها هذا الثأر، بمن في ذلك المختلفين سياسيا وأيديولوجيا مع حماس، وسيكون لاسم المهندس يحيى عياش منذ ذلك الحين مكانة وحضورا في كل بيت فلسطيني.
إسرائيليا أفرج رابين عن بعض المعتقلين الفلسطينيين، ممن شارفت محكومياتهم على الانتهاء، واليمين وعموم المستوطنين اعتبر غولدشتاين بمثابة البطل والشجاع، حيث صار قبره مزارا لهم، وبعضهم وقفوا دقيقة صمت في المدارس تكريما له!
المجزرة كانت مكسبا لمن ذهبوا ضحيتها، وهم في الموقف الذي ذكرت، ولكنها أيضا أظهرت عجزا عن الحراك الشعبي، وتحوله نحو الاعتماد على التنظيمات التي لها مجموعات صغيرة مسلحة.
أما ردة الفعل العربية فمع أنها معروفة، أي الشجب والاستنكار والتنديد، ولكن والحق يقال كانت أقوى وأفضل من الحالة التي وصلت إليها هذه الأيام.
رحم الله شهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي وكل الشهداء.


،،،،،،،،،،
الخميس 29 جمادى الأولى  1438هـ ، 26/2/2017م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تويتر: https://twitter.com/SariSammour     @SariSammour  
مدونات:-



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5)

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...