التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا تراجع القرضاوي عن تأييد العمليات الاستشهادية؟!

لماذا تراجع القرضاوي عن تأييد العمليات الاستشهادية؟!


لماذا تراجع القرضاوي عن تأييد العمليات الاستشهادية؟!   


بقلم:سري سمّور

عدم الرد على الإساءات

من عوامل وأسباب زيادة التوقير والاحترام الذي حظي به د.يوسف القرضاوي تجنبه الرد على مخالفيه أو مبغضيه أو شاتميه؛ فقد حافظ على هدوء واتزان في ظل هجمات مركزة بعضها عشوائية وبعضها منظمة طالته، فقد تعرض حتى للتدخل السافر في حياته الزوجية، بعد انفصاله عن زوجته  الثانية الجزائرية (أسماء) والتي نالت ما نالته من شهرة وجلست على مقعد برلماني بسبب هذه الزيجة وليس لأنها أفضل من نساء أخريات ترشحن لهذا الموقع بالضرورة.
وحقيقة فإن نشر أسماء رسائله لها في الإعلام أمر لا يستسيغه العرف والذوق وطابع الحياء المميز للأمة وقد يكون فيه مخالفة شرعية(لا أريد أن أدخل نفسي في الفتوى) كما أن الرسائل شخصية حميمية بحتة بين رجل وامرأة بعيدا عن كل المناصب والمواقع وغيرها، أو هو ما يسمى بالأنسنة...على كل هناك من استغل تلك المراسلات واتخذ منها ذخيرة لمهاجمة الرجل وكأنه من غرائب وعجائب الزمان أن يحب الشيخ أو يعشق أو يتغزّل(وهو يقرض الشعر بالمناسبة) وكأنه مستهجن أن يكون في بيته غيرة نساء ومكائد وغيرها كأي بيت.
كما أن السلفيين هاجموه بطريقة خرجت عن أسلوب المناظرة ومقارعة الحجة بالحجة واستدعت كل قواميس الشتائم والبذاءة؛ وقد تجلى ذلك في محاضرة/ات فرغت كنص مطبوع وإلكتروني من (مقبل الوادعي) موسومة بـ(إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي)!
وتعرض لهجوم لا يقلّ شراسة ممن يفترض أنهم خصوم السلفيين(أو هكذا يقدمون أنفسهم) من القوميين واليساريين ومن شايعهم خاصة أنصار نظام بشار الأسد...وكأن هناك وحدة موقف –بغض النظر عن اختلاف الدوافع- تجاه القرضاوي من طرفي نقيض.
كما  أصابه رذاذ تفاعلات الانقسام الفلسطيني، وقد آت لهذه المسألة لاحقا...ولكنه لم يدخل في جدل ولم يشن هجوما مضادا ضد هذا الكم متعدد الجبهات الذي مسّه شخصيا، وطالته منه أوصاف لا يتسع المقام لإحصائها من كثرتها(مفتي الناتو والدولار...إمام الفتنة والضلال...شيخ السلاطين...إلخ!).

وحقيقة هذا يعتبر ذكاء لأن الدخول في الجدل والنقاش والرد على إساءة هنا واتهام هناك في جو مشحون كهذا يقلل من الهيبة وينزع الوقار أو على الأقل يهزّ الصورة عند بعض الناس، ويستهلك الأعصاب والوقت والجهد.


موقف القرضاوي الجديد من العمليات الاستشهادية

قلت في أكثر من مقال سابق أن فتوى القرضاوي بجواز تنفيذ المقاومين الفلسطينيين عمليات استشهادية ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين ساهم إلى حدّ كبير في ترميز الرجل وتقدمه ليتبوّأ موقع المرجعية(ليس بمفهومها الشيعي المعروف) الفقهية في صفوف حماس وسائر الإخوان المسلمين، وصار يعتبر وفق مصطلح الإعلام الغربي المستنسخ عند نظيره العربي، (الزعيم الروحي) للإخوان وحماس...طبعا أسجل تحفظي على المصطلح ودلالاته لاختلاف الشريعة والفقه الإسلامي عن نظيره في الديانات الأخرى.
ولكن حدث تطور يستحق التوقف عنده طويلا؛ حين أفتى القرضاوي في 2016 بعدم جواز تنفيذ هذا النوع من العمليات في فلسطين بدعوى انتفاء الضرورة التي جعلته يفتي سابقا بجوازها بل مباركتها، لأن الفلسطينيين كانوا لا يملكون الأسلحة، خاصة الصواريخ والآن تغير الموقف.
هذا الموقف أو الفتوى الجديدة للقرضاوي أخذت جدلا واسعا وتحليلات متباينة في أكثر من محفل؛ وقد قام الباحث والمؤرخ الفلسطيني الخبير بالشؤون الإسرائيلية د.عدنان أبو عامر بكتابة مقال صحفي في (المونيتور) في 20/12/2016م ألقى فيه الضوء على هذه الفتوى الجديدة، وعرض فيه آراء قادة وناطقين ووجوه دينية تتبع حركة حماس أو مقربين منها..وذلك تحت عنوان(حماس صامتة إزاء فتوى القرضاوي بحظر العمليات الانتحارية) وقد كان الرد الأقوى في المقال المذكور برأيي هو رد الشيخ (د.يوسف فرحات) أحد الوجوه الدينية البارزة لحركة حماس في قطاع غزة والذي أكد على نقطتين بارزتين هما في محور بحثي ضمن هذه السلسلة وهما:عدم اطلاع القرضاوي على الواقع الفلسطيني، واحتمال وجود ضغوط سياسية عليه دفعته لإصدار هذه الفتوى الجديدة.

وقد يقول قائل بأن حماس لم تنفذ عمليات استشهادية بعد فتوى القرضاوي، صحيح ولا قبلها بمدة، ولكن الأمر فني وميداني وأمني، وليس خاضعا لهذه الفتوى، ودوما يعلن الاحتلال الكشف عن خلايا في الضفة الغربية تحضر لعمليات استشهادية، ويتم محاكمة أفرادها...وضع قطاع غزة مختلف ميدانيا وجغرافيا وعسكريا وأمنيا، ولكن الضفة الغربية حالها مختلف.

ولنفرض أن خلية ينتمي أفرادها لحركة حماس نفذت عملية استشهادية، فهل ستتبرأ الحركة منها وإن عملت بقرار من ذاتها دون الرجوع إلى قيادتها؟ودأبت حماس على مباركة أي عملية تستهدف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين سواء أكان منفذها لا ينتمي إلى أي فصيل أو من فصائل أخرى؛ فهل لو نفذ عنصر من الجهاد الإسلامي أو فتح أو الجبهة الشعبية عملية استشهادية ستمتنع حماس عن الترحيب بها وتتحفظ ولا تبدي رأيها المعروف؟كلا بالتأكيد.

وهذا يعني ضمنا أنه رغم هيمنة القرضاوي شبه المطلقة على مجال الفتوى فإن حماس لديها استعداد لعدم الأخذ بأي فتوى منه أو من غيره تتعارض مع سياساتها وواقعها الميداني وطريقة رؤيتها لأساليب المقاومة، حتى لو كان المفتي هو القرضاوي مع ما يحظى به من تبجيل وتمجيد من قادة وقواعد الحركة، وكأن لسان حال حماس أن لا سلطة لأحد عليها في موضوع آليات المقاومة.

ويرى إسرائيليون أن فتوى القرضاوي الأخيرة جاءت بضغط تركي، ولست أدري مدى تأثر القرضاوي برأي الأتراك، ومدى خوضهم في هذه المسألة، ولكن من المؤكد والواضح أن القرضاوي في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الربيع العربي خضعت آراؤه إلى سياسة دولة قطر وحساباتها ومواقفها في عدة مسائل، أو صار هو من ذاته يضعها في الحسبان.


الموقف المتغير من بشار

مدح القرضاوي بشار الأسد أثناء زيارته لدمشق في 2009 وتوقع التآمر عليه بسبب موقفه من غزو العراق والمقاومة في لبنان:-


ولكن موقف القرضاوي تغير مع اندلاع الثورة السورية إلى النقيض، وقد يكون تغير الموقف حسب مجريات الأحداث طبيعيا، فبشار الأسد لجأ إلى الحل الأمني والعسكري في التعامل وقام طيران جيشه بإلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين، وجرت عمليات قتل وتعذيب، وبالتالي من واجب القرضاوي بصفته عالما مسلما تغيير موقفه السابق، ولكن هذا شيء ومطالبته أمريكا(بوقفة لله) ضد نظام بشار الأسد شيء مغاير ومختلف تماما:-
فأمريكا كما لا يخفى على القرضاوي ليست جمعية خيرية، وهي من زرع الاستبداد في بلاد المسلمين، وهي التي ترعى إسرائيل، كما أكد القرضاوي في ذات خطابه الراجي تدخل الأمريكان في سورية...وبالنسبة لحماس فإنها مصنفة بكافة أجنحتها السياسية والعسكرية والإعلامية والخيرية وغيرها على رأس لوائح ( الإرهاب) الأمريكية، ودأب الأمريكان على التحريض على حماس وشيطنتها ورفض وجودها إلا بشروط مجحفة ملخصها أن تتخلى عن المقاومة وتعترف بإسرائيل...فكيف تطلب منها (وقفة لله)؟!

طبعا يصعب فصل هذه الفتاوى والمواقف عن سياسة واعتبارات وحسابات  دولة قطر التي يحمل الشيخ جنسيتها ويقيم فيها منذ عقود، ولكن هذا لا يستقيم بالضرورة مع حسابات حركة حماس، التي وقعت في حرج كونها اعتبرت القرضاوي علاّمة العصر والزمان، وكلامه لا يناقش، بلسان الحال طبعا، وبين حساباتها وعلاقاتها ومواقفها، خاصة من إيران وحزب الله، فانتقل الجدل إلى داخل صفوفها، وإن كانت قيادتها قد حسمت الأمر مؤخرا...على كل سأتطرق لهذه المسألة وغيرها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5)

أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5) -الجزء الثاني- بقلم: سري سمّور الثورة الإيرانية أثبتت قدرة الإسلاميين على بناء دولة عصرية، والقدرة على إزاحة أحد أكبر أعوان أمريكا، أي شاه إيران محمد رضا بهلوي ، دون أي معونة من السوفييت، مثلما كان يحدث في ظل الحرب الباردة، حين يطاح برجل لواشنطن في أي مكان في العالم تكون موسكو وراء ذلك، والعكس صحيح، إلا في حالة إيران، كما أنه لم يكن للعامل المذهبي والقومي، أي اعتبار في تأييد الجمهور المسلم، العربي والسني للثورة الوليدة وتشجيعها. أما أفغانستان فهي دولة مسلمة فقيرة، تعرضت لاحتلال قوة عظمى غاشمة، من صلب عقيدتها فكرة (لا إله والحياة مادة) وقد سارع الإسلاميون لنجدة إخوتهم في الدين في أفغانستان بالمال والسلاح والرجال الراغبين في الجهاد بأنفسهم، أو بالتطوع في الأعمال الخيرية، مثل الطبابة والإغاثة وغيرها، ولم ينظر الإسلاميون إلى المسألة الأفغانية من زاوية الصراع الأمريكي-الروسي فحتى لو كان ثمة تقاطع للمصالح؛ فإن الإسلاميين نظروا لأفغانستان على أنها أرض يجب الجهاد ضد الملحدين وعملاؤهم فوقها، ونواة للمشروع الإسلامي الذي

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس... بقلم: سري سمّور  نعيش هذه الأيام ذكرى فتح بيت المقدس على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في 20 ربيع الأول سنة 15 هجرية(636 ميلادية)، أي بعد انتقال سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى بخمس سنوات ، وبعد حوالي 16 سنة من الإسراء والمعراج، ذلك أن الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة واحدة، وللإسراء والمعراج دلالته ذلك أن السورة التي أولى آياتها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} مكيّة، ومعروف أن السور المكيّة كانت تركّز على العقائد وتثبيتها في نـفوس المؤمنين، وكأن الإيحاء هو أن المسجد الأقصى جزء أساس من عقيدة المؤمنين المسلمين؛ وكيف لا وهو أولى القبلتين، وثالث المسجدين؟ ومع أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل 500 صلاة، فقد ترك الصحابة المسجد الحرام والمسجد النبوي حيث أن الصلاة في كل منهما بمئة ألف صلاة، وألف صلاة على التوالي، وجاءوا بالآلاف إلى فلسطين وبيت المقدس، بل إن بلا