أحلام رومانسية وأفكار طوباوية لما بعد كورونا

أحلام رومانسية وأفكار طوباوية لما بعد كورونا











أحلام رومانسية وأفكار طوباوية لما بعد كورونا

                                     بقلم:سري سمور

تقول أو يقول أو يقولون بأن عالم ما بعد جائحة كورونا, التي يعلم الله تعالى وحده متى ستنتهي, ليس كما قبله.

والأقوال في هذا الشأن كثيرة؛ منها ما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية, حيث يرى بعضهم أن العالم ما بعد الجائحة سيشهد تراجع أو حتى تلاشي دول كبرى وعظمى وصعود أخرى بدلاً منها, وبعض آخر يرى أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا ستقود إلى حروب ونزاعات عسكرية في أكثر من مكان في هذا العالم, بل قد يعيش الكوكب في النصف الأول من هذا القرن حربا عالمية ثالثة تزهق فيها أرواح عشرات أو مئات الملايين من أهلها، ويتم خلالها أو نتيجة لها تغيير خرائط ووضع قانون ونظام دولي جديد مختلف.

بعيداً عن هؤلاء ثمة شريحة تعيش رومانسية حالمة، وتغرق في طوباوية مفرطة؛ فترى أن الإنسان سيخرج من هذا الجائحة بدروس وعظات, تنعكس على أولوياته في الحياة وعلى نفقاته المادية وتوجهاته النفسية؛ فقد رأى الناس بمختلف أجناسهم وألوانهم وقومياتهم ومعتقداتهم أن الوباء لا يفرق بين إنسان وآخر, وأن دولاً قويةً وغنيةً ومتقدمةً في مجال العلوم والتقنية وقفت عاجزة عن مواجهة فايروس لا يرى بالعين المجرّدة, وأنها (البشرية) ترى أنه كان عليها أن تزيد وتضاعف الإنفاق على الصحة وتطوير مؤسساتها وإعداد الأطباء والممرضين والصيادلة, وأن تكون أولوية الدول بناء المشافي لا السجون، وزيادة أعداد (الجيوش البيضاء) لا التي ترتدي (الكاكي), وسيزداد تعزيز البحوث العلمية المتعلقة بالوقاية والمناعة والعلاج, وسيعم التعاون بين الناس في قارات العالم لأن الخطر الذي يواجهونه وُجوديٌّ لا يعرف الحدود وهذا سيعزز ويقوّي المشاعر الإنسانية ويزيد من التآلف بين الأمم والشعوب وقبلها الحكومات والدول.

وأصحاب هذه النظرية المتفائلة غاب عنهم طبيعة بشرية, تأصلت وترسخت في الإنسان منذ الأزل, فقد قتل ابن آدم أخيه لأن قربانه لم يُتقبّل منه, وتُقبّل من أخيه المقتول, هذا وهما في هذه الأرض ينعمان بخيراتها ومواردها بلا شركاء, ويمكن لهما, إذا لم يرغبا في التعايش, أن يبتعد كل منهما عن الآخر تماماً، ويستمتع ويستقرّ في نصيبه من جزء كبير من الأرض، لكن الأمر يتعلق بالحسد الذي لا يعالج في المشافي!

وأيضاً فإن الحروب تلد بعضها؛ فهل منعت الخسائر الرهيبة للحرب العالمية الأولى اندلاع حرب عالمية ثانية بعد عقدين من الأولى، خسائرها أشدُّ وأعظم بل استخدمت فيها القنابل النووية؟

فالإنسان مجبولٌ على الصراع، وفي نفسه طمع, ولن تسود العقلانية التي يتحدثون عنها، ولن تتبدل الأولويات بسبب فايروس يفتك بالآلاف من الناس حاليا...والدليل أن الأنفلونزا الإسبانية التي قتلت من قتلت من الناس وقبلها الطاعون لم يحدّ من أطماع وتطلعات الأوروبيين العدوانية تجاه بعضهم وتجاه الدول والشعوب الأخرى، فهل سيكون حال فايورس كورونا مختلفا، ولماذا؟!

ولكن هذا لا يعني أن العلماء والباحثين لن يطوروا اللقاحات ويسعوا لابتكار عقاقير  تعالج الأوبئة, فهذه سيرورة وصيرورة, والإنسانية منذ قرون طويلة تطوّر الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة, وأبحاث أهل الاختصاص في هذا المجال لا تتوقف.

أما أن يقول حالمون أن الأرض ستصبح واحةً غنّاء يسودها الحب والوئام, وتسعى الأمم والدول فيها وراء الصلح والسلام, فهذا فقط في كلمات(د.رامي) في المسلسل الكرتوني (عدنان ولينا) وليس في عالم الواقع الذي يعيشه ابن آدم على هذه الأرض.

 ذلك أن إبليس, قد أقسم لربه -سبحانه وتعالى- بعزّته أنه سيغوي الناس أجمعين, مع استثناء لا يخفى أنه قليل هو عباد الله المخلصين.

فمع تطوير الإنسان للدواء لمواجهة الأدواء سواء التي تتسبب بها البكتيريا أو الفايروسات, أو شيء ربما يكتشف لاحقاً, أو ابتكاره واكتشافه لما يقيه منها,سيستمر في الإنفاق على السلاح والجيوش, بل قد يكون فايروس كورونا سلاحاً من الأسلحة التي تستخدمها الأمم والدول المتحاربة مستقبلاً (وأعلم أن هناك من يرى كورونا سلاحاً يستخدم حالياً) وسيكون هناك رعاية طبية وبناء مشافي, ولكن لن يتوقف بناء الثكنات العسكرية والسجون والجدران العازلة, وسيتوفر دواء بسعر قليل أو كثير لمرض ما, ولكن ستجد من ينفق مالاً يكفي لعلاج عشرات بل مئات المرضى, على تزويج حيوانات أو في صالات القمار، وستجد –كما نجد اليوم- من يبني قصورا ويموت المرضى الذين لا يجد الواحد منهم سريرا في مشفى، ربما مع تغير في المكان لا تغير الحال عالميا، أي الفكرة هي (أين؟) وليس(هل؟) مبدئيا.

 وستجد من الناس من يهدر المال على مظاهر اللهو التي هي من معالم نجاح الشيطان في غواية كثير من الناس؛ وستستمر الحروب وسفك الدماء, مع أنها قد تنحسر في منطقة من العالم لتشتد اشتعالا في مناطق أخرى.

عالم ما بعد كورونا قد يكون مختلفاً عن العالم ما بعده، ولكن لن تتغير طبيعة الإنسان ولن تتهذب النفوس جرّاء هذا الوباء، وقد يوجد لقاح أو عقار يقضي على هذا الفايروس وغيره, ولكن أنّى يوجد مثله لينزع الحسد والحرص والطمع ومن نفس ابن آدم, هذا إلا إذا اختار أن يكون من عباد الله المخلصين, فاتبع هدى الله وسار على الصراط المستقيم, ومن يختار ذلك هم قلّة القلّة, وهم أيضاً لن يكونوا من الحالمين وسيعلمون أن أهل الغواية لن يتركوهم وشأنهم وأن سنة التدافع ربانيةٌ مقررةٌ في الكتاب العزيز وأن عليهم العمل بمقتضاها، وألا ينتظروا فلسفات الحالمين وأوهامهم بأن الإنسان سيخرج عن طبيعته, أو أن إبليس قبل يوم القيامة سيتوقف عن تعهده بغواية الناس...فالتدافع لا مناص منه وأختم بخير الكلام:-

((فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ. وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) –سورة البقرة

((....وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا . وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ . إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))-سورة الحج

،،،،،

تم النشر الجمعة 5 ذو القعدة  1441هـ ، 26 /6/2020م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...