تحالف المقاومة والمعارضة ...حماس والجهاد الإسلامي نموذجًا

 

تحالف المقاومة والمعارضة ...حماس والجهاد الإسلامي نموذجا  

بقلم:سري سمور-خاص بـ/مركز القدس

 

 توقيع اتفاق إعلان المبادئ(أوسلو) كما ذكرت سابقا، خلق حالة استقطاب حادة وشديدة في الشارع الفلسطيني، وأوجد اصطفافات بين القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة، ليس قائما هذه المرة على الأيديولوجيا بل على تأييد أو معارضة الاتفاق، ولكن هذا الاستقطاب ظل إلى حدّ ما منضبطا، بدت مظاهره في الإعلام، وفي صناديق الاقتراع في الجامعات والمعاهد وغيرها، خاصة في الضفة الغربية.

وقادت حركة فتح كما قلنا الترويج للاتفاق والدفاع عنه، وقادت حركة حماس-ضمنا- الصف المعارض الرافض له.

وفي الكيان العبري حالة الاستقطاب، قادت إلى اغتيال (إسحاق رابين) على يد متطرف يهودي  في 1995 وهو على رأس مهماته رئيسا للوزراء، ووزيرا للحرب، وذلك في سابقة غير معهودة منذ تأسيس الكيان.

وربما كان اغتيال رابين مفصليا في مسار التسوية ومآلاتها؛ وقد أشار القيادي في حركة فتح والبرلماني السابق (نبيل عمرو) في مقال له نشر قبل سنوات بأن عملية/مسيرة أوسلو قد انتهت فعليا بمقتل رابين، وهو أمر أكده الرئيس (أبو مازن) بعد ذلك بسنوات في خطاب له.

ولكن الاتفاق لم يسقط بمعنى العودة إلى ما قبله أو إلغاء كل ما ترتب عليه، خاصة عند الجانب الفلسطيني، وهنا لا بد أن أورد تصريحات أدلى بها مؤخرا المسؤول الأمني الصهيوني البارز(عاموس جلعاد)  وهو جنرال جاهر وما زال بعدائه للرئيس عرفات ولمسار أوسلو، بأن رابين وقّع الاتفاق بقلم ثمنه (شيكل واحد فقط) كإشارة على عدم رضاه وامتعاضه، وأنه لم يكن مقتنعا به، وأن كلام الرئيس عرفات عن رابين كان بعد موت الأخير وليس في حياته.

على أية حال فإن الانسحاب الإسرائيلي من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية(بدأ من مدينة جنين) كان بعيد أيام قليلة من اغتيال رابين.

حركة حماس..المعارضة والمقاومة

 شنت حركة حماس هجوما سياسيا وإعلاميا شديدا على الاتفاق، وحاولت جمع أكبر عدد ممكن من المناصرين لرؤيتها في الداخل والخارج، واستخدمت وقتها لغة سياسية غلبت على ما يسمى(الخطاب الديني) الذي عادة ما تتهم بأنها تحتكره وتجيره لصالحها، وذلك في سبيل التجييش ضد الاتفاق كقاعدة ونقطة مشتركة تجمعها مع من تختلف معهم سياسيا وفكريا أو اجتماعيا أو دينيا.

وحاولت بمساعدة سورية تشكيل جبهة معارضة (تحالف القوى العشرة) ولكن هذا التحالف/الجبهة لم ينجح ولم يستمر طويلا، وهو أصلا ضم بعض الفصائل الصغيرة التي ليس لها أنصار كُثر في الداخل، وتفتقد الرصيد الشعبي تماما.

ولأن التحالف جاء من منطلق رد الفعل، ولم تملك الحركة ولا من تحالفوا معها خطة عمل قابلة للتنفيذ، وهو أشبه بمؤتمر صحفي لإعلان الموقف من الاتفاق.

وكانت حماس قد صعدت وكثفت من نشاطها العسكري ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في كافة أنحاء فلسطين الانتدابية، ووجهت ضربات مؤلمة وقاسية أفقدت قادة الكيان السياسيين والأمنيين صوابهم.

ولم تتردد حماس عن الإعلان صراحة وفي كل مناسبة أنها تريد إسقاط الاتفاق، ولكن دون الانجرار إلى مربع الحرب الأهلية والصدام مع السلطة، وأنها ستواصل المقاومة المسلحة بلا تردد.

وهنا ثمة سؤال كثيرا ما يطرحه ساسة وإعلاميون ومراقبون:هل كانت حماس تهدف من وراء عملياتها خاصة الاستشهادية إلى عرقلة الاتفاق وتثبيطه وإفشاله، أم أن هذه العمليات كانت في سياق العلاقة الطبيعية بين الشعب الواقع تحت الاحتلال والقوة المحتلة؟

وبعد مرور كل هذه السنين، لا يجوز الإجابة عن هذا السؤال وفق (اختيار إجابة واحدة) فالمسألة معقدة ومركبة كثيرا.

فحماس كانت قد شرعت في تنفيذ العمليات قبل توقيع الاتفاق، وحين تسلمت السلطة مسؤولياتها واصلت العمل، ولكن مع وجود حوارات ومداولات مع السلطة التي كانت رؤيتها أن مثل هذه العمليات تمنح إسرائيل ذريعة للتنصل من استحقاقات مسار التسوية وما تم الاتفاق عليه، وأن على السلطة التزامات وتعهدات وضغوط هائلة كي توقف هذه العمليات.

وكان من الملاحظ أن حماس كانت تباعد زمنيا بين العمليات ربما مراعاة لحساسية الظرف الجديد الذي صارت إليه المناطق المحتلة، وأيضا من باب التخفيف النسبي عن الأهالي، حيث أن الاحتلال الذي من صلب سياساته (العقاب الجماعي) كان يعمد إلى إغلاق الضفة والقطاع ومنع العمال الفلسطينيين بمن فيهم حملة التصاريح من دخول (الخط الأخضر) وهو ما كان ينعكس سلبا على الحالة الاقتصادية الهشة أصلا.

ومع أن حماس انتهجت هذه السياسة التي ربما أشعرت جميع الأطراف بنوع من الارتياح النسبي، أو التفاهم الضمني، فإن الاحتلال استمر في سياساته العدوانية؛ فمثلا أوقفت حماس العمليات مدة ستة أشهر متواصلة، ولكن المخابرات الصهيونية قامت وبعد تخطيط وترصد طويل بعملية اغتيال غادرة للمهندس (يحيى عياش) في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، بتفجير هاتفه النقال الذي زرعت فيه متفجرات خاصة عن طريق أحد عملائها، أثناء مكالمة بين عياش ووالده، فتعهدت حماس التي ثار غضبها كثيرا، برد قاس على هذا الاغتيال اللئيم، وقد عزز قرارها بالرد، مطالبات جماهيرية واسعة في الداخل والخارج بأن لا يذهب دم العياش هدرا، وأن  ترد على الدم بالدم.

ونفذت حماس عمليات الثأر فعلا بعد شهرين، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات وتوقف الحوارات بينها وبين السلطة، واعتقال مئات من قادة وعناصر وأنصار حماس والجهاد الإسلامي، واستنفار دولي قادته الولايات المتحدة ضد ما يسمى(الإرهاب) وهو المصطلح الفضفاض الذي تستخدمه واشنطن، ومعها الكيان بالطبع لتجريم المقاومة ومن يناصرها.

شمعون بيريز الذي شغل منصب رئاسة الوزراء إلى حين انعقاد انتخابات جديدة خسرها أمام نتنياهو بالاقتراع المباشر على المنصب لأول مرة في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، صرح بأن من أفشله في الانتخابات هي حماس وليس نتنياهو!

ومن المنطق والمنظور السياسي البحت هل كان يمكن لحماس أن ترى بيريز يرأس حكومة العدو، وعلى يده دماء يحيى عياش(إضافة إلى دماء أهالي قانا جنوب لبنان) كدعاية انتخابية يفاخر بها؟بالطبع لا.

ولكن هذا يفتح بابا آخر للنقاش وهو:لو فاز بيريز وقتها، هل كان سيتقدم في مسار المفاوضات والتسوية مع الجانب الفلسطيني؟لا، بل كان كعادته سيكتفي بالكلام المعسول والابتسام أمام الكاميرات، وأصلا كل ما كان يعنيه من تبريد الجبهة الفلسطينية، هو بناء ما أسماه (شرق أوسط جديد) يقوم على تسخير الموارد والثروات العربية والأيدي العاملة فيها ومياه تركيا لخدمة اقتصاد ورفاهية وهيمنة الكيان، وما كان سيعطي الفلسطينيين شيئا، وحتى لو فكر بذلك فلن يستطيع في ظل صعود مجموعة أمنية-عسكرية صارت تيارا مؤثرا، يمسك حاليا بزمام القرار السياسي في الكيان، وسآتي إلى هذه المسألة في مقال لاحق، ضمن هذه السلسلة، بعون الله.

أما الجانب الآخر من الصورة عند الإجابة عن السؤال عن عمليات حماس وأهدافها، فهو أن منطق الأشياء يقول أن حركة تعهدت علنا بإفشال الاتفاق مع تجنب الفتنة والصدام الداخلي، ستقوم بضربات من هذا النوع، فالسياسة ومنطق التدافع يقر هذه المعادلة...بل وقتها سمعت حتى من بعض نشطاء فتح أن هذا يعتبر(انسجاما مع الذات) والتزاما بالنهد السياسي.

ولقد استمرت الحوارات بين الفينة والأخرى بين السلطة وحماس وغيرها من الحركات والفصائل، وفي مرة جرى ترتيب لقاء بين قادة من حماس حضروا من غزة إلى الضفة، وطلبوا من قادة حماس في الضفة وقف العمل العسكري، فكان رد قادة الضفة هو رفض هذه الفكرة تماما، وقد يبدو هذا الأمر غريبا الآن، ولكن هذا ما حدث فعلا.

وقد كانت خلايا حماس في الضفة هي التي تقوم بالعمليات تخطيطا وتجنيدا وتنفيذا، حيث توقفت العمليات من غزة، بل إن تنظيم حماس في غزة كان مفككا تقريبا، حتى الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين-رحمه الله- بل شكلت حماس في غزة (حزب الخلاص الوطني الإسلامي) ولم يجد الحزب الجديد استجابة من معظم قادة الحركة في الضفة ولا من السواد الأعظم من قواعدها...ناهيك عن كون القرار السياسي الحاسم في خيارات حماس كان بيد قادتها في الخارج في تلك الفترة.

 الجهاد الإسلامي...تحالف مع حماس لا يخلو من مخاوف!

حركة الجهاد الإسلامي بنت تحالفا قويا مع حماس، وكان بين الحركتين توافق سياسي تام، على قاعدة رفض الاتفاق بطبيعة الحال، ولأنهما تستندان إلى نفس الخلفية الأيديولوجية، والأهم لأنهما قررتا الاستمرار بالعمل العسكري ضد الاحتلال، وتعزيز أسلوب العمليات الاستشهادية.

وكانت لغة الجهاد الإسلامي ضد الاتفاق أكثر قسوة وصخبا وحدة  من نظيرتها عند حماس، ويمكن رصد ذلك مثلا بما كان ينشر في صحيفة(الاستقلال) التابعة للجهاد، مقارنة مع ما كان ينشر في الصحيفة التابعة لحماس(الرسالة).

ولكن حجم الانتشار الجماهيري للجهاد كان محدودا وأقل تأثيرا من فتح وحماس خاصة في الضفة الغربية، وفي السجون الإسرائيلية وفي الجامعات، وقد تحالفت الكتلة التابعة للجهاد في بعض الجامعات مع الكتلة الإسلامية في بعض الجامعات.

ونظّر الجهاد الإسلامي للوحدة مع حماس على أساس(التعدد لا الاندماج) وكان الجهاد يتوجس خيفة من أن تقوم حماس بالتراجع عن موقفها المناوئ لاتفاق أوسلو، ذلك لأن حماس هي فرع وجناح للإخوان المسلمين، وترى الجهاد أن الإخوان عادة يلجأون إلى ما تعتبره مهادنة، وعمل تحت ظل النظام القائم، وقبول ما يمنح لهم من مساحة عمل أو حصة في المؤسسات وغيرها، وربما عزز هذه المخاوف عند الجهاد ما صدر من مواقف وتصريحات من بعض قادة حماس، وأنه كلما تقدمت عملية التسوية فإن حماس ستعود إلى النهج الإخواني التقليدي.

وحتى البروفسور عبد الستار قاسم-رحمه الله-كتب أواخر تسعينيات القرن الماضي عن توقعاته للمستقبل بأن الجهاد الإسلامي سيظل وحيدا في رفض مسار أوسلو، وحماس ستعود إلى النهج التقليدي للإخوان المسلمين...ولكن هذا لم يحدث كما نعلم، وسآتي لتبيان الأسباب الرئيسة لفشل هذا التوقع/التحليل-الذي لا يخلو من وجاهة ومنطق- لاحقا.

إجمالا بقي عبء المقاومة المسلحة على كاهل حماس والجهاد الإسلامي بضع سنين، وما كان بمقدورهما، رغم قوة فعلهما المقاوم وتأثيره المؤلم على العدو أن يخلقا حالة جديدة من المقاومة التي تلتف الجماهير حولها، مثلما كان الحال عند تدخل فتح وقوى الأمن الفلسطينية، في بعض الأحداث مثل (هبة النفق) خلال تلك المرحلة...أما أطراف المعارضة الأخرى كالجبهات فلم يكن لها إلا قليل جدا من الإسهامات في ذلك الوقت.

وهذه العناوين أو النقاط وغيرها سأناقشها في المقالات التالية بعون الله تعالى ومشيئته.

،،،،

نشر في 23/10/2021

https://alqudscenter.info/articles/%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B6%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%86%D8%A9

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...