السامريون وجون ميلز:الأصول والسحر والعادات الخاصة

 

السامريون وجون ميلز:الأصول والسحر والعادات الخاصة

بقلم:سري سمور

كنت في المقالة السابقة قد تحدثت عن كتاب جون ميلز "ثلاثة أشهر في نابلس، الطائفة السامرية عن قرب" (Three Months’ Residence At NABLUS, AND ACCOUNT OF THE MODERN SAMARITANS) (1855-1860) وكاتبه جون ميلز، وركزت الحديث حول العنصرية والكذب فيه فيما يخص عموم العرب، وكون ميلز لم يخرج عن النهج الاستشراقي الاستعلائي العنصري، ولم أتطرق لتناوله وضع الطائفة السامرية من الداخل كما رآها في كتابه، وهي محور الكتاب ومادته الرئيسة.

وأستوفي الحديث في هذه التدوينة والتي تليها عن مادة الكتاب بما يتيسر من اختصار، يعطي فكرة عن الطائفة السامرية، وهي أصغر الطوائف 

 مواد كثيرة عن الطائفة   

هناك في عصرنا الحاضر كثير من المواد المقروءة والمرئية التي تتناول وضع الطائفة السامرية في مدينة نابلس، ولا يتردد رموز الطائفة في المشاركة في تقارير متلفزة ومقروءة يشرحون فيها تاريخ الطائفة وطقوسها وعاداتها وتقاليدها المتوارثة وعلاقتهم بمحيطهم.

وهذا ربما يغنينا عن ذكر تفصيلات طقوسية أو مظاهر كتب عنها جون ميلز، وأكتفي بإشارات عامة مختصرة.

وهناك مركز للدراسات السامرية افتتح عام 1993 في مدينة نابلس أيضا، وبالتالي لا مشكلة في الحصول على معلومات عن الطائفة، فهي ذات انفتاح إعلامي واجتماعي نوعا ما.

وكي نشير سريعا إلى وضع الطائفة في نابلس حاليا، فإن أفرادها يعتبرون قانونا وعرفا من المواطنين الفلسطينيين، ويدرس أبناؤها وبناتها في مدارس المدينة والجامعات الفلسطينية مع المسلمين دون أي عائق، ويمكن أن يتقلدوا وظائف عامة أو يعملوا -كما حال أغلبهم- في الأعمال الخاصة كالتجارة.

وعند انعقاد أول انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني في 1996، خصص الرئيس عرفات مقعدا بنظام الكوتا للطائفة، شغله الكاهن الراحل للطائفة سلوم السامري الذي توفي في 2004 .

ويتحدث أبناء الطائفة باللهجة النابلسية المميزة، وفيما بينهم لهم لغة عبرية خاصة، وأيضا فإنهم لا يعجزون عن تعلم اللغة العبرية الحالية، ويحملون بطاقات هوية زرقاء وهي البطاقات الخاصة بحملة الجنسية الإسرائيلية، لكن هذا الإجراء لم يؤثر على وضعهم وحقيقة كونهم مواطنين فلسطينيين، فهم لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي نهائيا ولا في أذرعه الأمنية، ولكن هذه البطاقات تمكنهم من حرية الحركة داخل إسرائيل والحصول على سيارات ذات لوحات تسجيل صفراء (وهي المسجلة كسيارات إسرائيلية كالتي يقودها يهود إسرائيل وعرب 48)، وهذه الحرية في الحركة تسهل لهم أمور التجارة والعمل كثيرا، مما حسّن وضعهم الاقتصادي.

والمكان المقدس عندهم هو جبل جرزيم في نابلس، ولا أهمية لمدينة القدس عندهم، وبالتالي لا نزاع مع المسلمين، وكذلك جبل جرزيم الذي أقاموا لهم فيه منطقة سكنية حديثة متطورة (في الطور)، إضافة إلى بيوتهم في الحي السامري بنابلس، ويقع الحي في منطقة تصنف "ج" (C) وفق اتفاقيات أوسلو وملاحقها في تقسيم الضفة الغربية، يجاورهم مسلمون ويعيشون حياتهم بسلام ودون أي مضايقات، وبينهم وبين المسلمين  العرب علاقات جيدة عموما.

وهم طائفة غير تبشيرية إطلاقا، ولا يتزوجون إلا فيما بينهم، وحاليا ربما يسمح لهم بالزواج من نظرائهم في الطائفة الذين يقيمون في "حولون" قرب يافا، ولا يتجاوز مجموعهم في المكانين 900 نسمة.

جون ميلز يدخل عالم السامريين

أعيد التذكير أن حديثي عن نسخة مترجمة من العربية من كتاب جون ميلز المذكور آنفا.

والكتاب مكوّن من مجلد واحد في جزأين: الجزء الأول، وهو تسعة فصول، ولعلي في المقالة السابقة أشرت إلى محتوياته، يتحدث عن الأماكن المقدسة وبيئة نابلس بنوع من التفصيل، خاصة ما يتعلق بالآثار والمقابر، والعادات الاجتماعية في المدينة -كما يصفها ميلز طبعا- وفيه حديث بإسهاب عن وضع الأسرة المسيحية التي كان في ضيافتها.

أما الجزء الثاني فهو من ثلاثة عشر فصلا، وهو -كما يصفه ميلز- عن "السامريون عن قرب"، ويتناول عادات السامريين وطقوسهم وأعيادهم وتاريخهم ووضعهم الاجتماعي وتقويمهم الخاص.

وفي زمانه وصف وضعهم الاقتصادي بأنهم فقراء ويعمل غالبهم في التجارة.

السامريون من اللاويين  

 جون ميلز -استنادا إلى "سفر الملوك"- يشير إلى أن الملك الآشوري شلمنصر بعد سبي قبائل اليهود العشر، جلب مستعمرين آشوريين من بابل وغيرها ووطنهم في "السامرة"، فاختلطوا مع بقايا اليهود، (ص79).

ويصف ميلز السامريين بالنبل، وأنهم لا ينحدرون من هارون بل من لاوي.

الكاهن والسحر

ويشير جون ميلز أن للطائفة السامرية زعيمان يتقلدان منصبيهما بالوراثة، وهم الكاهن الأكبر (عمرام الذي التقاه وقتها) وراعي الطائفة.

ويشكك ميلز بالكاهن عمرام فيما يخص الطلاق، ويقول إن الكاهن سلاسة يتعامل بالسحر.

وقد أجلت الحديث عن موضوع السحر الذي ذكره جون ميلز، وأرى أنه لا بد من الإشارة إليه، فليس مجهولا هذا الأمر عند السامريين، وفي عصرنا الحالي وعلى يمين المقبرة الإسلامية الغربية في نابلس، تجد مكاتب عليها لافتات تشير أنها "لفك السحر وما شابه"، تعود إلى كهنة من الطائفة السامرية، حيث يقومون بعمل الحجب بمقابل مادي، أي أن الأمر ليس سريّا وليس علنيا أيضا، ويتحدث الناس عن علاقة السامريين بمواضيع "الحجب والسحر وما شابه" مع انقسام الناس بين من يأخذ بحرمتها مطلقة وفق الشريعة الإسلامية لهذه الأمور، سواء أكان له أثر حقيقي أم لا، ورأي يقول بتأثير هذه الأعمال فعليا على المستهدف منها، وبالتالي ثمة من يقصدهم لعمل الحجب، أو من يرى أنها تدخل في إطار الخزعبلات والدجل، ولكلٍّ تجربة، أو سمع من غيره قصصا وأحداثا مختلفة حول هذا الموضوع، ولا يمكن نفي أو تأكيد ما يقال، مع تصوّر شعبي بأن "أعمال" السامريين (أو السمرة باللفظ الدارج) أقوى من غيرها وأكثر تأثيرا!

عادات خاصة

ويتحدث جون ميلز عن الطهارة والنجاسة وعادات الأكل والشرب عند السامريين، فمسموح لهم بأكل كل شيء لكن لديهم جزّارا خاصا بهم، ويمنع الجمع بين اللحم والحليب في الوجبة نفسها، ويستخدمون اللغة العبرية القديمة التي لا يعرفها إلا عدد قليل منهم، وفي الفصل التاسع (نتحدث عن الجزء الثاني من الكتاب الآن وسابقا ولاحقا) يوضح المؤلف أن: اللغتين العربية والسامرية لغة الواجبات الاجتماعية الداخلية، والعبرية للطقوس الدينية.

ومع أن جون ميلز لم يشهد خلال فترة وجوده في نابلس (3 أشهر) أية حالة وفاة عند السامريين، لكنه يتحدث عن طقوسهم مع الموتى والجنازات، وكعادته يتهم المسلمين بسرقة مقبرة السامريين (ص93).

ونستكمل ختام الحديث عن كتاب جون ميلز في التدوينة القادمة بعون الله تعالى.

،،،،

من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تم النشر الإثنين 2 جمادى الآخرة 1444، 26-12-2022م

https://www.aljazeera.net/blogs/2022/12/26/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%AC%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AD%D8%B1

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...