مسلم عربي فلسطيني



مسلم عربي فلسطيني
بقلم:سري سمّور

يرى بعض الإخوة والأخوات أنني في ما أكتب عن الشأن الفلسطيني قد اتخذت لنفسي نوعا من التطرف الوطني وسلكت مسلكا يوصل إلى اعتبار الفلسطيني أمة من دون الأمم وبالغت في الدعوة إلى سلخ القضية الفلسطينية عن سياقها العربي والإسلامي وربما تزداد حالة الاستغراب والاستنكار كوني انتسب إلى مدرسة فكرية تحلم بدولة أو كيان من طنجة حتى جاكرتا، بل تحلم باسترداد الفردوس المفقود في الأندلس..فكيف أدعو إلى «الفلسطنة» التامة؟ثم كيف يستقيم ما أطرحه مع سيرة الناصر صلاح الدين-رضي الله عنه- في التوحيد والتحرير، وهو الكردي المولود في العراق المتنقل بين بلاد الشام ومصر؟!
و أرى أنه لا بد من توضيح هذا اللبس في فهم  طرحي و أنـتهز الفرصة للدفاع التوضيحي عن الفكرة؛  إن فلسطين مركز الصراع في المنطقة وأهم بؤرة صراع في العالم لأنها تجمع كل أسباب الصراع المعروفة تاريخيا فهي تجسد صراعا دينيا وحضاريا واجتماعيا واقتصاديا وكل من يفكر في تأجيل هذا الصراع إلى أن يحقق المحيط العربي والإسلامي نهضة ويمتلك قوة موازية، هو-مع احترامي- قارئ قصير النظر  للقضية ومجرياتها؛ فلتثبيت المشروع الصهيوني في فلسطين يجب أن يبقى العرب ممزقين وضعفاء ومتخلفين ولا يسمح لهم ببناء نظم سياسية ديمقراطية وأزعم أنه لو اتـفق  الحاكم مع المحكومين العرب على عقد اجتماعي جديد يلغي الدكتاتورية فإن الغرب سيفشل الأمر، ويتدخل بأساليبه الناعمة والخشنة، والسبب الرئيسي هو إسرائيل، وعليه لا طائل من تأجيل الصراع معها أو تجاهله، أو ربطه عضويا وشعوريا بحالة المحيط العربي.
أما الحلم بصلاح الدين المعاصر، فهو حلم جميل، ولطالما قلنا:آمين، حينما كان الإمام يتضرع إلى الله-سبحانه وتعالى- بأن يبعث في الأمة قائدا كصلاح الدين...لكن هذا الحلم يصطدم بالواقع، وهو قائم على فكرة مغلوطة؛ فنحن نريد تحرير الأرض والإنسان، والآلية المناسبة حاليا تختلف عن تلك التي كانت زمن صلاح الدين، بل بعد مئة سنة من رحيل صلاح الدين كان مطهر البلاد من الفرنجة الأشرف قلاوون يختلف في شخصيته وأسلوبه عن صلاح الدين، فالفكرة


 ليست الشخص واستنساخه...وأمر آخر مهم جدا؛ وهو أن الغرب جهد في دراسة أسباب ظهور صلاح الدين، وكيفية منع تكرار هذه الظاهرة، وأنـفق مليارات كثيرة، وجند أدوات هائلة
لهذا الهدف، فلم لا يكون هناك تطوير لفكرة التحرير، مثلما طور الغرب فكرة الاحتلال؛ فهو قد ابتكر الصهيونية، وحوّل الديانة اليهودية إلى قومية، وأقام لليهود دولة في قلب العالم العربي والإسلامي، فلماذا نحلم نحن بصلاح الدين الذي سيسير الجيوش لتوحيد مشارق البلاد ومغاربها ثم يطبق على فلسطين ويحرر القدس؟!
ولنتذكر أن الأمة زمن صلاح الدين كانت تواجه فقط احتلالا عسكريا لجيوش من القتلة الهمجيين؛ أما الآن فإن الغرب أصبح لديه حضارة قوية تمتلك معظم وسائل العيش في العالم ابتكارا أو روحا...فأي سلاح وأي جيش سيتحرك به صلاح الدين ليوحد بلاد العرب والمسلمين ويأتي بالجيوش فاتحا؟ وأشدد أن كلامي لا يتنافى مع سورة الإسراء إطلاقا، فالآيات الكريمة في سورة الإسراء لم تحدد أن من سيتبروا ما علوا تتبيرا سيكون عليهم قائد كردي أو مصري أو حجازي أو أو أو ولم ترسم مسارهم!
ومن يوجه البوصلة نحو بيت المقدس وفلسطين، ويعمل بصدق وإخلاص سيحرج كل المتآمرين، ويقيد حركتهم وينزع ذرائعهم، ولو طعنوه سيزداد قوة، ويمكنه تحييد كثير من القوى أو الحد من تسلطها؛ أما من يريد التخلص أولا من هذا النظام أو ذاك، فسينقضي عمره قبل أن يتفرغ للقدس، هذا لو افترضنا فيه حسن النية.
ونحن رأينا ونرى ما يجري في بلاد العرب منذ حوالي قرن، فإلى متى سننتظر أن يخرج منهم صلاح الدين؟ومن قال أن قضيتنا تشغلهم أصلا، على المستوى الشعبي وليس فقط على المستوى الرسمي؟ وبالتجربة نحن نتابع ونعرف عنهم وعن ظروفهم السياسية والاجتماعية تفاصيل التفاصيل، بينما نجد لديهم ضحالة في فهم قضيتنا وواقعنا...وطبعا أنا لا أقول أن فلسطين لا تحتاج إلى الجهد العربي والإسلامي مطلقا، بل أنا واثق أنه سيأتي وقت يتحركون فيه، ولكن على الفلسطيني أن يعمل ويجتهد للتخلص من الاحتلال دون أن ينتظر منهم شيئا في المدى المنظور، وألا يشغل نفسه في حسم أي صراع داخل أي دولة عربية لصالح أي طرف لأنه لن يكون للحسم-لو حدث- تأثير فوري منظور على قضيتنا.
كما أن الشعب الفلسطيني بقي طوال عقود يدفع ثمن الصفقات المريبة بين المحيط العربي المثقل


بالاستبداد والفقر والتخلف والرأسمالية الغربية، فطالت إقامة الملايين في المنافي، وتناقصت الأرض تحت أقدام من ظلوا يقبضون على الجمر في الوطن السليب ففي نهاية المطاف نحن الذين خسرنا من كل ما دار ويدور في المنطقة ونحن الذين نجد أنفسنا كالأيتام على مائدة اللئام بعد
كل مواجهة أو صفقة وتبين بالوجه القاطع أن التركيز الكلي على قضيتنا دون الانشغال بما سواها يوفر علينا كثيرا من الوقت والجهد ويحمينا من فتن تدور حولنا، وعليه كان من الخطأ التصور أن الطريق إلى القدس يجب أن يمر عبر هذه العاصمة العربية أو تلك، ومثله الخطأ باعتقاد أن تحرير القدس يبدأ من جبال بلاد الأفغان...فلسطين هي لب الصراع في عصرنا والصراعات الأخرى والمشكلات التي نراها ستحل بنسبة95%  حينما يتفكك المشروع الصهيوني ولا يتعارض هذا مع الانتماء العقائدي والقومي فالمجاهدون الجزائريون ومنهم العلماء المخلصون قالوا يوما: الإسلام  ديني وعقيدتي، والعربية ثقافتي ولغتي، والجزائر أرضي ووطني؛ والآن أقول: أنا مسلم عربي فلسطيني وهذا الترتيب في الانتماءات يجب ألا يعني أن يؤجل الصراع أو أن نجعل قضية فلسطين في الدرجة الثانية وعلى كل تم تجربة ذلك وكانت النتيجة هي الفشل الذريع...ومن يجرب المجرَّب عقله مخرب !  
   

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجمعة  24 رجب 1435هـ ،23/2/2014م

من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...