من كنوز ذكرى الهجرة

في مستهل العام الهجري 1438 نستذكر وعي وفهم عمر – رضي الله عنه – للإسلام حيث أنه اختار التأريخ بهجرة النبي (ﷺ) لا بمولده البيولوجي، لأن الهجرة كانت بداية ميلاد أمة لها عقيدتها المتميزة وقانونها الخاص ورسالتها الأكمل من بين كل الرسالات.


مع كل حدث في تاريخ السيرة النبوية العطرة نجد دروسا وعبرا، وفي ذكرى الهجرة النبوية من مكة المكرمة، البلد الحرام، موطن الأنبياء، ومهبط الوحي، إلى يثرب التي ستصبح بحدث الهجرة: المدينة المنورة، نتوقف لالتقاط بعض النفحات والتمتع بكنوز الدروس العظيمة من هذا الحدث الذي غيّر مسار الدنيا.
نعم خرج محمد (ﷺ) من وطنه، وهو أمر كان قد أخبره به ورقة بن نوفل قبل 13 عاما من خروجه، فاستغرب، ولكن ورقة العارف بتاريخ الدعوات وما يلقاه أهلها من عنت أقوامهم قال له: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، كما في صحيح مسلم.
وفي مستهل العام الهجري 1438 نستذكر وعي وفهم عمر – رضي الله عنه – للإسلام حيث أنه اختار التأريخ بهجرة النبي (ﷺ) لا بمولده البيولوجي، لأن الهجرة كانت بداية ميلاد أمة لها عقيدتها المتميزة وقانونها الخاص ورسالتها الأكمل من بين كل الرسالات.
ونتذكر أبا بكر عتيق التيمي الذي وضع كل ما يملك في خدمة هذه الدعوة، لندرك أن الدعوات لا تنتصر فقط بالأمنيات والألفاظ الجزلة؛ فالصدّيق خاطر بنفسه وشخصه، ووهب كل ماله للدعوة، وأولاده وبناته وضعهم تحت تصرف الدعوة، ولم يرف له جفن خوفا على ما قد يلحق بهم من أذى، وقد لحق.
ونتذكر عليا وهو ينام في فراش النبي (ﷺ) وهو يعلم بالخطة الخبيثة التي وضعها أبو جهل، فيشعر بأمن وسلامة وسكينة ما مرت به طيلة حياته، إنه الإيمان واليقين.
ونتذكر المهاجرين الذين تركوا أوطانهم وأموالهم نصرة لدينهم، وفي ذات الوقت نتذكر أن النية هي أساس قبول الأعمال، مثلما روي أن هناك مهاجرا عرف باسم مهاجر أم قيس لأنه كان يريد الزواج بامرأة ولم يهاجر لله ورسوله( خبره مذكور في أول حديث في صحيح البخاري)، ولكن أين هو ذكر وأثر مهاجر أم قيس حين نستعرض سير وأخبار المهاجرين المخلصين الذين مدحهم رب العزة في القرآن الكريم؟!
ونتذكر الأنصار الذين أحبوا من هاجر إليهم، فكان نعم المجتمع، وتأسست أول دولة مدنية حقيقة في تاريخ الإنسانية.
ونتذكر أن المسجد كان هو أول مؤسسة تبنى في تلك الدولة؛ فالمسجد مكان عبادة لله – سبحانه وتعالى – التي هي أساس الدعوة، ومن أجلها خلق الإنسان واستُخلف في الأرض، وهو مكان التعلم والتشاور وغير ذلك، فالمسجد نواة المجتمع المسلم المدني ولكن ليس بأحجاره وبنائه فقط، بل باستشعار أهمية رسالة ودور المسجد في المجتمع، لنتذكر هذا الأمر بالذات.
لنتذكر أول ميثاق (دستور) وضعه خاتم النبيين لأهل المدينة، يحمل ويشدد على ما يعرف اليوم بحقوق المواطنة؛ فاليهود جزء من مجتمع المدينة ولهم حقوق المواطنة، وعليهم واجباتها واستحقاقاتها مثلهم مثل المسلمين، وما حدث بعد ذلك لهم لم يكن بسبب دينهم ومعتقدهم، ولكن بسبب إخلالهم وانتهاكهم الصارخ لمفهوم المواطنة مرة بعد مرة وقبيلة بعد قبيلة من قبائلهم.
نتذكر أن الأخذ بالأسباب الدنيوية هو أمر اتبعه النبي وهو المؤيد بوحي السماء، فقد وضع خطة للتخفي، واستعان بابن أريقط وهو ليس مسلما، وحمل الزاد والماء، ولم ينتظر أن ينزل عليه هذا من السماء بابتهال ودعاء، وبعد/ومع الأخذ بكل سبب دنيوي ووسيلة مادية كان التضرع لله والرجاء بأن ينصره حاضرا.
بل إن يثرب تتحكم بطرق قوافل التجارة التي كانت تسيرها قريش إلى بلاد الشام، أي أن اقتصاد المشركين صار تحت رحمة الدولة الجديدة، كما أن يثرب اقتصادها ذاتي حيث لا تعتمد على التجارة بل على ما فيها من ثمار كالتمر، وفيها مصادر مياه كافية، وهي محصنة تحصينا طبيعيا لوقوعها بين جبلين (حرّتين). فسبحان الله العظيم.
نتذكر كيف أن أم معبد وصفت هيئة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بدقة وهو أمر لم يؤثر عن بقية الصحابة، ربما لأنهم لم يكونوا مهتمين بخَلقه – وهو جميل حسن السمت – بقدر اهتمامهم به كنبي ومعلم وقائد ومرشد، مما يدل على اختلاف زوايا النظر، ومما يعزز فكرة دراسة السيرة من زوايا عدة.
الهجرة حافلة بالدروس العظيمة التي نتعلم منها – إذا شئنا – أمورا كثيرة تفيدنا في ديننا ودنيانا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...