ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...




ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...
بقلم: سري سمّور


 نعيش هذه الأيام ذكرى فتح بيت المقدس على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- في 20 ربيع الأول سنة 15 هجرية(636 ميلادية)، أي بعد انتقال سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى بخمس سنوات ، وبعد حوالي 16 سنة من الإسراء والمعراج، ذلك أن الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة واحدة، وللإسراء والمعراج دلالته ذلك أن السورة التي أولى آياتها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} مكيّة، ومعروف أن السور المكيّة كانت تركّز على العقائد وتثبيتها في نـفوس المؤمنين، وكأن الإيحاء هو أن المسجد الأقصى جزء أساس من عقيدة المؤمنين المسلمين؛ وكيف لا وهو أولى القبلتين، وثالث المسجدين؟ ومع أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل 500 صلاة، فقد ترك الصحابة المسجد الحرام والمسجد النبوي حيث أن الصلاة في كل منهما بمئة ألف صلاة، وألف صلاة على التوالي، وجاءوا بالآلاف إلى فلسطين وبيت المقدس، بل إن بلال بن رباح –رضي الله عنه- لم يؤذن بصوته الشجيّ منذ وفاة سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- سوى في بيت المقدس...لقد كان أولئك الرجال هم الأكثر فقها في الدين وأحكام الشرع، فأدركوا أهمية المكان وقدسيته، وضرورة الرباط فيه، فقطعوا القفار والسهول والجبال والوديان واستقروا فيه، ولا عجب أن نجد في فلسطين والأردن قبورا لآلاف الصحابة.
وللذكرى هذه الأيام ظروف خاصة؛ فهي تأتي تزامنا مع الفيلم الذي أعدته وزارة الخارجية الصهيونية وشارك فيه نائب وزير خارجية الكيان، وتظهر فيه قبة الصخرة المشرفة وهي تنهار أو تتلاشى ليقام الهيكل مكانها، والمعروف أن اليهود لهم  اهتمام كبير بالرموز التاريخية، وعليه لا يمكن النظر إلى هذا الفيلم في هذا التوقيت بالذات على أنه صدفة!
ولا يقتصر الأمر على الفيلم؛ بل هناك حملة تهويد شاملة شرسة للمدينة المقدسة تتناقل أخبارها  وسائل الإعلام يوميا دون أن يرف لمليار ونصف المليار مسلم جفن، اللهم إلا بالشجب والاستنكار والبكاء والعويل...ومن روائع الشعر والخطب العربية تلك التي تتغنى بالأندلس وترثي سقوطها، فهل سيستمر التعاطي العربي والإسلامي بل حتى الفلسطيني مع القدس كما كان مع الأندلس؟!
وتأتي الذكرى في وقت يشتد أوار المناكفات الطائفية والمذهبية، فنتذكر أنه حينما دخل الصليبيون إلى القدس وقتلوا عشرات الألوف، ذهبت الوفود إلى الفاطميين(الشيعة) وإلى العباسيين(السنة) تبكي الحال وتستحث من يفترض أنهم قادة الأمة لإنـقاذ مسجدهم وحضائرهم من الغزاة، فما وجدوا غير التجاهل...فليعلم كل من يدخل أو يريد الدخول في نزاع مذهبي كلامي أو غيره أنه لا يخدم القدس في شيء، وليأخذ من تلك الحقبة العبرة! 
نستذكر العهدة العمرية الشهيرة، حيث أن أهل القدس (إيليا في ذلك الوقت) قد أخذوا عهدا من أمير المؤمنين ألا يسكنها معهم أحد من اليهود، وكل الدلائل تـقول بأن وجود اليهود في المدينة كان عابرا ومؤقتا، ومحكوم بأنهم أهل التوحيد والكتاب دون سواهم من الأمم تلك الفترة، بل ذهب الباحث كمال الصليبي  إلى أنه لم يكن لهم في القدس وفلسطين تاريخ أبدا...على كل هم أخذوها بمنطق القوة لا بقوة المنطق، ولن تعود القدس إلا بالقوة بمعناها الحسّي القاسي المادي، فإذا كان خروجهم من الشريط المحتل جنوب لبنان وإخلاؤهم لمستوطنات قطاع غزة، استلزم كل تلك المعارك، فكيف سيكون خروجهم من القدس؟ ولا ننسى أن قبول صفرونيوس لتسليم القدس جاء بعد انتصارات جيوش المسلمين في اليرموك وأجنادين وغيرها...أما تحريرها على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي-رضي الله عنه- فقد كان بعد نصره المؤزر في حطين.
وفي هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا، أود الحديث عن مسألة تـقسيم فلسطين فأقول بعد التوكل على الله:إن الأمر مرتبط بالقوة وشريعة الغاب التي تحكم هذا العالم الظالم، فالعصابات الصهيونية ابتلعت أكثر مما يمنحها قرار التقسيم سنة 1947م بقوة السلاح والإرهاب المنظم، بل إن إسرائيل بعد سنة من قيامها أخذت وفق اتـفاقات رودوس سنة 1949م أراض أخرى مثل أم الفحم والمثلث، فالأمر بالقوة والسلاح لا بالحوار والحجة، ومن ناحية أخرى فإنه لا توجد أي جهة أو منظمة فلسطينية إلا وتؤمن بأن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، فالقدس محل إجماع كل القوى والفصائل الفلسطينية، وإن اختلفت الوسائل، واختلفت النظرة إلى الأراضي الأخرى المحتلة، وشرقي القدس  جوهرته الحرم القدسي الشريف، أي ما يعتبر جبل الهيكل في الفكر السياسي العقائدي لدى كل الصهاينة، فهل سيقبلون أن يسلموا المدينة على طبق من ذهب وسلما لنا؟ وما هي أوراق القوة التي نملكها لتحقيق غايتنا؟ أتحدث عن القوة وليس عن شرعية عالم لا يؤمن بك إلا حين يرى الأحذية العسكرية لجيشك تدب في أرض ما...حتى تدويل المدينة مرفوض من يمينهم ويسارهم ووسطهم ، لدرجة أن بن غوريون يقول: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، بل إن القدس الكبرى تمتد من رام الله إلى بيت لحم وهي المنطقة المركزية للاستيطان الصهيوني، فإذا كنا نجمع أن القدس الشرقية يجب أن تعود، فإنهم يصرّون أنها عاصمتهم وأن هيكلهم لا بد أن يقام يوما بدل أقصانا، فهل يمكن تلاقي الخطين المتوازيين، وعلى أي أساس؟ لا مجال للتلاقي، وأيضا لا يمكن استعاد القدس إلا بالقوة!
     ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجمعة 20 ربيع الأول-1434هـ،1/2/2013م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(2-5)