الحرب الرابعة على غزة…المقاومة تنتصر والمعركة التالية على الأجندة

 الحرب الرابعة على غزة…المقاومة تنتصر والمعركة التالية على الأجندة










صرح نائب رئيس حركة حماس د.موسى أبو مرزوق في مقابلة تلفزيونية الأربعاء 19 أيار أنه يتوقع أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غضون يوم أو يومين، ويضاف إلى تصريحات أبو مرزوق تصريحات متزامنة أو سابقة أو لاحقة تشير إلى أن التوصل إلى تهدئة بات وشيكاً…ولكن على الأرض حتى كتابة هذه السطور كان القصف المتبادل متواصلاً. فمنذ العاشر من أيار/مايو للعام الجاري 2021 الذي وافق الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك وجبهة غزة مشتعلة؛ حيث بدأت المقاومة الفلسطينية بإطلاق رشقات من الصواريخ على المدن والمستوطنات وتجمعات الجيش الإسرائيلي، رداً على العدوان الإسرائيلي في مدينة القدس خاصة أهالي حي الشيخ جراح المهددين بالتهجير والطرد من بيوتهم، وفي باحات المسجد الأقصى حيث تعرض المصلون والمعتكفون إلى هجمة شرسة من قوات الاحتلال، أسفرت عن إصابة المئات منهم بجروح مختلفة.

المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس على لسان محمد ضيف، رئيس هيئة أركان جناحها العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام) أنذرت وحذرت الاحتلال من التمادي وضرورة الإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث في الأقصى والشيخ جراح وسحب قوات الشرطة والجيش وغيرها من المسجد الأقصى، ولمّا لم تستجب سلطات الاحتلال، بدأت موجة القتال في التاريخ المذكور أعلاه، لتكون عملياً الحرب الرابعة على غزة بعد حروب 2008/2009 و2012 و2014 على التوالي.

وتأتي هذه المواجهة أو الحرب أو موجة التصعيد (لا داعي للخلاف حول المسمى) في ظل ظروف مختلفة إلى حدّ كبير عن سابقاتها، وشروط وقف المواجهة لكلا الطرفين، والوضع الدولي والإقليمي، وبالطبع طبيعة وحجم وشكل المواجهة/الحرب. سنحاول هنا استعراض المعطيات المهمة للخروج بتقدير موقف، مع ضرورة التأكيد أن الأمور ليست ثابتة وقابلة للتدحرج وتغير كل الحسابات والمعادلات.

أولا: الولايات المتحدة الأمريكية

حتى صباح الأربعاء 19/5/2021م كان قد جرى الاتصال الرابع بين بايدن ونتنياهو، وتنقل مصادر إعلامية على ما يبدو وكأنه لهجة آمرة لنتنياهو بأن يوقف العدوان على غزة، وهو ذات موقف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوست في حديثه مع نظيره الإسرائيلي بيني غانتس، فالظاهر أن الأمريكيين يريدون وقفا لهذه الجولة من التصعيد في أقرب وقت، ويضاف إلى ذلك أصوات من داخل الكونغرس تنتقد إسرائيل، ومظاهرات ووقفات احتجاجية تعم ولايات أمريكية عدة ضد العدوان الإسرائيلي، ولكن هذا جزء من الصورة، ولا بد من الخوض أكثر في مواقف الأمريكيين.

نلاحظ أن الحروب على غزة تنشب في ظل حكم الديموقراطيين؛ ربما نستثني الحرب الأولى (27 كانون أول/ديسمبر 2008-18كانون الثاني/يناير 2009م) حيث أنها كانت في الفترة الانتقالية، فقد فاز باراك أوباما بانتخابات الرئاسة في نوفمبر 2008 وكان في إطار التحضير لتسلم مهام منصبه رسمياً في العشرين من يناير/كانون ثاني 2009 كالمعتاد في بروتوكولات التسليم والاستلام في البيت الأبيض، ويبدو أن إسرائيل قد مُنحت فرصة مواصلة الحرب حتى قبيل ذلك الموعد ، ولقد ظهرت تحليلات عبر شاشات العديد من الفضائيات تعتبر تلك الحرب آخر حروب الحزب الجمهوري وتحديداً حروب الرئيس جورج بوش الابن، الذي اتسم عهده بالحروب والعنف عبر ولايتين، سواء ما قامت به الولايات المتحدة مباشرة(احتلال أفغانستان والعراق) أو ما قامت به إسرائيل كونها ذراع أمريكا الضاربة في المنطقة(مثل حرب لبنان صيف 2006)، وكان هناك ثمة تفاؤل بأن عهد أوباما سيشهد كبحاً لتوجهات إسرائيل العدوانية، بل لربما بالغ بعضهم بالقول بأن إسرائيل أرادات إحراج أوباما ووضع عراقيل في طريقه وتفجير ألغام سياسية في وجهه بقيامها بالعدوان على غزة قبيل تسلمه مهام منصبه.

ولكن أوباما كان صاحب الخطاب المنضبط المتوافق مع شخصيته المثقفة، وفي نفس الوقت صاحب الفعل-المغاير لنعومة خطابه وما بثه من تفاؤل- الداعم لإسرائيل التي لم تتراجع ولو خطوة إلى الوراء خاصة في سياسات تهويد القدس وتوسعة الاستيطان، وبالطبع ولايته شهدت حربين على غزة في 2012 و2014، والآن ثمة من يكرر نفس الأسطوانة بأن إسرائيل تريد إحراج بايدن الذي تسلم مهام منصبه قبل بضعة أشهر وورث تركة ثقيلة من دونالد ترمب، وجائحة كورونا وآثارها، ورغبة بايدن بالتفرغ للملف الصيني وتحجيم روسيا.

وحقيقة وجب على أي قارئ للأحداث أن يكف عن التحليل المبني على أمنيات القائم على وجود كراهية من أي رئيس أمريكي لأي زعيم إسرائيلي تدفعه إلى لجم إسرائيل، إلا إذا تغيرت موازين القوى بوضوح، كما أن السياسات الأمريكية لا تُبنى بهذا المنطق الشخصاني أو العاطفي.

والأهم علينا إدراك الدور المركزي لإسرائيل في صناعة سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وأقول إسرائيل وليس التعبير الفضفاض (يهود الولايات المتحدة)، ولقد نشرت مقالة في أيار العام الماضي 2021 تناقش هذه المسألة[1] وفي كل الأحوال فإن حجم الدمار والقتل الذي وقع على سكان قطاع غزة كان في زمن الديموقراطيين (أوباما والآن بادين) بغض النظر عن التفسيرات والتحليلات التي تناقش هذه الحقيقة.

والحقيقة الأخرى المؤكدة أن الدعم الأمريكي، بغض النظر عمن يجلس في المكتب البيضاوي، لإسرائيل ثابت مطلق، ولا تقبل حتى مجرد بيان يوجه لإسرائيل شيئاً من النقد بل اللوم، على جرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، فالولايات المتحدة توفر لإسرائيل الغطاء المالي والدعم العسكري (لا يمكن إغفال أن أطفال غزة يقتلون بسلاح أمريكي) والتماهي شبه التام سياسياً مع الكيان. لكن الولايات المتحدة في زمن ترمب اتخذت خطوات غير مسبوقة في دعم إسرائيل بطريقة يفترض أن تحرج حلفاء واشنطن العرب والفلسطينيين الذين يرونها وسيطاً؛ فقد أوقف ترمب الدعم المقدم إلى السلطة الفلسطينية، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وقطع الدعم عن الأونروا بل طالب بإلغائها تمهيداً لشطب حق العودة للاجئين واعترف بإسرائيل عاصمة للكيان العبري، ونقل سفارة بلاده إلى القدس، وهي خطوة تجنبها جميع من سبقوه من رؤساء حيث كانوا يتعمدون التأجيل المتواصل (كل 6 شهور) لهذا القرار، وأجبر ودفع دولاً عربية إلى إعلان تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بطريقة إظهار التحالف الذي كان سريأ فغدا علنياً، وقدم رؤيته عبر ما عرف بصفقة القرن التي هي من الناحية الفعلية إعلان تصفية القضية الفلسطينية.

أما إدارة بايدن وما يميز الإدارات الديموقراطية، فهي تتخذ غالباً سياسة مختلفة شكلياً من حيث الدعم لإسرائيل وتنصيب يهود صهاينة أو مقربين منهم في مواقع مهمة في مؤسسات الحكم، مع الحفاظ على الدعم المالي والسياسي للسلطة الفلسطينية، والحفاظ على الأونروا ودعمها، وإبقاء فرصة لما يسمى عملية السلام، بحيث يستمر التفاوض ولو دون تحقيق نتائج.

بالطبع ليس بمكنة بايدن(هذا لو فرضنا رغبته أصلاً بشيء كهذا) التراجع عن قرار نقل السفارة إلى القدس، وغير ذلك مما تعتبره إسرائيل مكاسب جنتها من إدارة ترمب، بعبارات أخرى: يحرص الديموقراطيون على الحفاظ على نوع من إدارة الصراع بشيء من ضمان الهدوء، أو بوجود تصعيد لا يخرج عن السيطرة،  إلى حين تستكمل إسرائيل مشروعاتها الاستيطانية، وخلق واقع جديد في ظل وجود حديث عن السلام والمفاوضات.

الآن في ظل الحرب على غزة فإن إدارة بايدن معنية بأن تحقق إسرائيل أي إنجاز-وفق منظورها- شريطة عدم إطالة أمد الحرب لاعتبارات مفهومة، ولكن التعويل على ضغط أمريكي جدّي على إسرائيل كي توقف عدوانها غير واقعي بتاتاً، إلا في حال تدهورت الأوضاع في عموم المنطقة، وصارت المصالح الأمريكية مهددة.

ثانيا: أوروبا وروسيا والصين

هذه الدول وإن كانت تتخذ موقفاً مختلفاً في خطابها المعلن ولكنها لا تؤثر كثيراً في مسألة وقف القتال؛ فأوروبا تدفع المال لبناء مبان تدمرها إسرائيل ثم تعود لتدفع، ولا تأثير كبير لها في الموضوع الميداني، وهي تعتبر حماس بكل أجنحتها حركة إرهابية، في تطابق واضح مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي بطبيعة الحال، بل إذا تعمقنا أكثر نجد أوروبا تدعم إسرائيل بما تمارسه في الساحة الفلسطينية؛ حيث تقوم بتوفير الدعم المالي الكبير لمؤسسات نسوية وغيرها، من أجل إثارة قضايا حساسة وتخالف قيم المجتمع وثقافته ودينه مثل الحريات الجنسية، وحقوق الميراث بما يخالف الشريعة الإسلامية، وغير ذلك مما يشغل ويشتت مجتمعاً يفترض أن يكون همه الرئيس هو الخلاص من الاحتلال، وليس مثل هذه المسائل المثيرة للجدل، فالقول أن الأوروبيين أصدقاء الفلسطينيين خطأ، وآخر تصريحات لوزير خارجية ألمانيا الذي التقى نظيره الإسرائيلي جابي أشكنازي تعمد مهاجمة حماس وكرر المواقف التقليدية الداعمة لما يسمى(حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها) أحد أبرز الأدلة الدامغة على حقيقة أوروبا.

وروسيا تحافظ على تواصل مع حركة حماس، ولا تتعامل معها بطريقة الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين، ولكنها ترغب أن تعترف حماس بإسرائيل، ودورها محدود، كما أن علاقة بوتين بنتنياهو جيدة، وعموما فإن الدور الروسي في المنطقة محدد سقفه أمريكيا.

والصين مؤخراً وسعت نشاطها الدبلوماسي، ولكنه ظل ضمن الحدّ المعروف المتحفظ، والصين مثلها مثل روسيا لا تقاطع حركة حماس، ولكن علاقاتها مع إسرائيل شهدت تطوراً كبيراً مؤخراً، وهي ستظل في دائرة الدعوة إلى وقف التصعيد والعنف والتوصل إلى اتفاق سلام وغير ذلك من العبارات المعروفة، ولن تتخذ أي أجراء ولا حتى تغير خطابها التقليدي.

وباستعراضنا السابق للمواقف الأمريكية والأوروبية والروسية والصينية، يظهر لنا أن المنظومة الدولية ما تزال منحازة لإسرائيل ولا تكترث لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا تستنفر وهي ترى مجازر الاحتلال.

ثالثا: تركيا وإيران

تستضيف تركيا عدداً من قيادات حركة حماس على أراضيها وتحافظ على علاقات طيبة مع الحركة، ومع السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح، مع أن التصور العام عند (فتح) أن تركيا منحازة إلى حماس، لاعتبارات عدة، وعموم قواعد وجمهور حركة حماس يظهرون محبة لتركيا وللرئيس رجب طيب أردوغان، وهؤلاء يرفعون سقف توقعاتهم وأمنياتهم التي يأملون بها من تركيا في هذه المرحلة، ولكن قيادة الحركة تعرف ولو بحكم سماعها من الأتراك مباشرة ماهية وحجم قدرة تركيا على التأثير، وتركيا منذ  حرب 2008/2009 خطابها الرسمي والشعبي متقدم على نظيره العربي في تجريم إسرائيل، وعليه تعتبر داعمة للمقاومة بطريقة غير مباشرة، ولكن تأثيرها على حماس باتخاذ قرار بوقف القتال ليس حاسما، هذا إن كانت ترغب بذلك أصلاً.

أما إيران فثمة تحليل يربط بينها وبين قرارات حماس وسياساتها، يجعلها أشبه بحزب الله اللبناني؛ وحقيقة فإن علاقات حماس مع  إيران لا تجعلها أداة إيرانية، أو أنها تضبط حركاتها الميدانية حسب البوصلة الإيرانية، أو حسب توقيت وإشارة عقارب الساعة في طهران، فحماس ليست أداة إيرانية كما تقول بعض الأصوات-خاصة من الخليج-  مع الأخذ بعين الاعتبار أن التطور النوعي الذي شهدته قدرات حماس العسكرية، لإيران دور كبير ومركزي فيه وهذا بشهادة قادة بارزين في الحركة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حماس لطالما حاولت إيجاد ما يوازن علاقتها مع إيران من الفضاء السني، الذي كان يخيب آمالها دوما، ولم يقدم أحد لحماس ما قدمته إيران، مع أن العلاقة بين الطرفين شهدت توترا على خلفية الأزمة السورية، لتعود إلى الدفء من جديد.

ولكن إضافة إلى هذا الدعم، هل يمكن أن تطلب إيران من حزب الله التدخل لتخفيف الضغط عن غزة في هذه المرحلة؟ يبدو هذا غير وارد حالياً، نظراً لأن إيران على وشك إيجاد صيغة لاستئناف العمل بالاتفاق النووي مع إدارة بايدن رغم الرفض الإسرائيلي، إضافة إلى صعوبة وتعقيد الأوضاع في لبنان سياسياً واقتصادياً، وتظل الحرب بين إيران وإسرائيل مخفية مثلما أعلن الحرس الثوري عن استهدافه مواقع في حيفا، وما تقوم به إسرائيل من ضربات في إيران خاصة ما يخص برنامجها النووي.

رابعا: الدول العربية وخاصة مصر

ينحسر دور الدول العربية بتقديم بعض المساعدات المالية والعينية، إضافة إلى جهود وساطة وتهدئة  أو بحث صفقة تبادل أسرى بين المقاومة وإسرائيل، وهذه مهمة عملت عليها المخابرات المصرية منذ سنوات طويلة، وفي جولة القتال الحالية تبدو العلاقات بين حماس ومصر أفضل بكثير من حرب 2014 حيث أصرت مصر وقتئذ ألا يرأس مفاوضات وقف إطلاق النار قيادي من حماس إضافة إلى حملة إعلامية شرسة شنتها مصر على حماس عبر مختلف وسائل إعلامها، واعتقلت العديد من أبناء الحركة، وأغلقت معبر رفح منفذ الغزيين الوحيد على العالم الخارجي، ومنذ اليوم الأول للانقلاب العسكري في مصر صيف 2013 شرعت في إغلاق الأنفاق العابرة إلى سيناء وكانت تمثل مورداً اقتصادياً مهماً للقطاع، وأيضاً كانت أحد نقاط إيصال الدعم العسكري إلى المقاومة قطاع غزة ، وأنشأت مصر مناطق عازلة إلى درجة  هدم الجزء المصري التاريخي من مدينة رفح، مما سبب حالة اختناق وفقر وبطالة غير مسبوقة في غزة، ولكن في ظل هذه الحرب فإن العلاقات المصرية-الحمساوية قد تحسنت والإعلام المصري توقف عن حملاته الإعلامية، بيد أن مصر تريد وقف القتال ولو وفق معادلة إسرائيل(هدوء مقابل هدوء)، وهو ما ترفضه المقاومة. هناك دول أخرى تلعب دوراً مثل قطر والأردن، ولكن لدى مصر حساسية عالية جداً من تدخل أي طرف عربي في ملف قطاع غزة وعليه يظل دور هذه الدول محدوداً. أما الدول المطبعة مع الكيان العبري (الإمارات وغيرها) فمع أن موجة القتال منحتها فرصة لاتخاذ موقف أفضل إلا أنها فضلت التخندق مع الإسرائيليين.

خامساً:المقاومة وإسرائيل

اعترافات متواصلة من إسرائيل على أكثر من مستوى أنهم فوجئوا بقدرات المقاومة وجرأتها، واختيارها توقيتاً له رمزيته عندهم لبدء عمليات القصف، وهذه المرة فإن المقاومة لم تأت على ذكر الحصار على غزة أو غيره، بل ربطت ربطاً مباشراً بين استمرار القصف وتهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، وهو ما ساعد المقاومة على بناء وحدة معنوية وبناء فعاليات ميدانية شملت الأراضي الفلسطينية ما بين النهر إلى البحر إضافة إلى الفلسطينيين في الشتات مع إخوانهم في بلاد عربية وإسلامية والمتعاطفين معهم في دول مختلفة في العالم منها كما ذكرت الولايات المتحدة، وهذا حدث ربما غير مسبوق خاصة بعد تراجع الاهتمام والتفاعل مع القضية الفلسطينية، وتعمد جهات عربية الإساءة إلى الفلسطيني واتهامه ببيع أرضه وأنه(ناكر للجميل) وتبني السردية الصهيونية أو جزء منها، والقول الممجوج أن حماس تخلت عن المقاومة مقابل المال القطري…كل هذا صار في موقف محرج، مع رشقات الصواريخ التي بدأت بضرب مناطق في القدس المحتلة ووصلت إلى تل أبيب أما ما يعرف بغلاف غزة فهو يضرب برشقات الصواريخ التي تطلقها المقاومة على مدار الساعة تقريباً.

للمقاومة غرفة عمليات مشتركة، ولكن أكبر وأهم وأقوى أجنحتها هي كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع المسلح لحركة حماس، وهي التي تتحكم بمجريات الحرب فعلياً، وقرار وقف إطلاق النار بيدها، وفي المرتبة الثانية من حيث العدة والعدد والقوة تأتي سرايا القدس الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، وهناك أجنحة أخرى أقل عدداً وعدة ولكنها تشارك في القتال مثل كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذراع العسكري للجبهة الشعبية وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب المقاومة الوطنية وغيرها.

رشقات الصواريخ التي طال ربعها –حسب المصادر الإسرائيلية- مدينة عسقلان جنوب فلسطين المحتلة، أربكت الاحتلال ومع أن عدد القتلى الإسرائيليين قليل، ولكن ملايين منهم يقضون أوقاتهم إما في الملاجئ وإما في الركض إليها مع هلع ورعب، كما أن أهم مطارات إسرائيل وهو مطار بن غوريون المقام على أراض قريبة من مدينة اللد المحتلة قد تعطلت فيه حركة الإقلاع والهبوط في مراحل عدة من هذه الحرب، والمطارات البديلة بعضها مهدد مثل مطار رامون.

كل هذا يحدث دون أن تعلن المقاومة وخاصة كتائب القسام عن عدد الإصابات في صفوف الجنود والمستوطنين ارتجالاً بل تكتفي بنقل اعترافات المصادر الإسرائيلية التي تبدو بعيدة تماماً عن المنطق والواقع، وهي بذلك تحقق مكسباً مهماً في الحرب الإعلامية وتزداد مصداقيتها كثيراً.

ونتحدث حتى الآن عن معركة لم يتم بها الاشتباك البري بين مقاتلي المقاومة وجنود الجيش الإسرائيلي، ومن تجربة حرب 2014 فإن هذا النوع من المواجهات تكون فيه الغلبة فعليا للمقاومة، لدرجة أن بعض جنود الاحتلال قالوا بأنهم كانوا كالبط الذي يصطاده رجال المقاومة، كما أنها فرصة لأسر المزيد من الجنود الإسرائيليين وفتح نافذة أمل للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال خاصة ذوي الأحكام بالسجن المؤبد….وحتى اللحظة تخشى وتتجنب المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التوجه إلى توغل بري ولو محدود ولكن مع تدحرج الأمور قد يحدث مثل هذا التوغل، والنتيجة إجمالاً كما ذكرنا.

إسرائيل تمتلك تفوقاً هائلاً في قوة النيران والتقنيات العسكرية، ولكن ثبت أن منظومة القبة الحديدية عاجزة عن التصدي لصواريخ المقاومة، ولكن يبدو التفوق في سلاح الجو، وهذا السلاح أغلب أهدافه هي بيوت المدنيين والأبراج وقتل الأطفال والنساء وتدمير البنى التحتية من شوارع وشبكات مياه وهاتف وكهرباء، ومن أهداف إسرائيل من هذه السياسة خلق رأي عام فلسطيني في غزة يضغط على المقاومة كي تقبل بالاستسلام للشروط الإسرائيلية، ولكن النتيجة دائماً ازدياد التأييد الشعبي للمقاومة بسبب جرائم الاحتلال بحق المدنيين.

الكابينيت الإسرائيلي (المجلس الوزاري المصغر للشؤون الخارجية والأمنية) مساء الخميس 20/5/2021م قرر وقف إطلاق النار من جانب واحد وترك الأمر لمصر لتحديد موعد (ساعة الصفر) التي أشارت مصادر إعلامية أنها ستكون فجر يوم الجمعة 21/5/2021م الساعة الثانية. الآن في ظل سخونة التفاوض للتوصل إلى تهدئة يظل الميدان متوتراً وساخناً ونحن أمام السيناريوهات التالية:-

  • إصرار حماس على عدم المس بأهالي حي الشيخ جراح (هم على لسان قادتهم أكدوا على ذلك) وضرورة وقف العدوان على المسجد الأقصى ومحاولة تقسيمه زمانياً أو مكانياً وإسرائيل ترفض هذا تماماً لذا سارعت إلى إعلان وقف إطلاق النار تجنبا لإظهار حماس والمقاومة في موقع المنتصر، ما يترك المجال لتواصل القتال.
  • تتواصل عمليات القصف المتبادلة وإذا وقع قتلى بين المستوطنين أو ارتكب الاحتلال مجزرة نتيجتها عدد من الشهداء بين المدنيين فهذا يعني العودة إلى المربع الأول وتصعيد متواصل، وبدء التفاوض من نقطة الصفر، من ناحية أخرى تريد إسرائيل بكل شغف وهوس اغتيال قائد بارز من المقاومة كي تحقق ما تراه صورة نصر، ولكن مثل هذا الاغتيال في حال حدث سيجلب رداً عنيفاً من المقاومة.
  • تلتزم المقاومة بوقف إطلاق الصواريخ ويلتزم الاحتلال بوقف القصف المدفعي والجوي ولكن بعد التهدئة لا تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل هذه الجولة، حيث تستمر المواجهات في الضفة والقدس ومناطق 48 وتكون الهدنة/التهدئة فرصة –كما تعلمنا التجربة التاريخية العملية-للمقاومة لتعزيز قدراتها وإعادة ترميم أي أضرار مست بنيتها والتقاط أنفاسها، لأنه منذ أول حرب على غزة كان السؤال دوما ليس (هل ستقع الحرب؟) بل كان (متى ستقع وكيف ولأي سبب؟) وهذه المرة المقاومة أطلقت على المعركة اسم (معركة القدس) وهذا يعني أنه دون إنجاز ولو محدود يخص القدس فإن النار ستظل تحت الرماد.
  • في الختام لنعتبر أن هذه الجولة انتهت، أو ستتجدد قريباً جداً، فإن الصورة تقول: انتصرت المقاومة وحققت نصراً واضحاً على المستويات المختلفة: عسكرياً وأمنياً بإيلام الاحتلال وتعطيل الحياة في معظم أرجاء فلسطين المحتلة، وإعلامياً بتقديم خطاب متزن صادق، ونجحت في إعادة توجيه البوصلة نحو القدس ووحدت معنوياً جماهير الأمة التي عانت من انقسامات مختلفة، وصار الحديث ليس عن التطبيع أو الاستسلام أو حتى البكاء على أطلال العجز عن مواجهة (الجيش الذي لا يقهر) بل عن قرب تحرير فلسطين والقدس وارتفعت معنويات الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي.

    أما إسرائيل المتمترسة خلف نظام دولي آخذ بالتغير فخسرت وتآكلت معها أهم الأشياء التي حرصت عليها منذ تأسيسها (قوة الردع) حيث صارت أضحوكة وهي تواجه مقاتلين غير نظاميين يتحصنون في ساحل ضيق محاصر فقير مساحته 365كيلومتراً مربعاً، وبدا جلياً وواضحاً أنها في كل معركة وجولة قتال تتعرى أكثر أمام العالم بحيث أنها دولة عنصرية تقتل الأطفال والنساء، ودولة ليست قادرة على حماية أمنها الذي يصبح في مهب الريح أمام عزيمة رجال المقاومة.

    ونحن بعيداً عن جمود التحليل ومتطلباته لا يمكن أن نكون على الحياد، وكأننا نتحدث عن مواجهة بين دولتين بعيدتين بل يجب أن نكون مع المقاومة قولاً واحداً.

    تم بحمد الله تعالى.

    الجمعة 9 شوال 1442هـ،21/5/2021

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدولة القُطرية الحديثة تمنع إنقاذ الأقصى!

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...