ناصر اللحام...القسطنطينية

http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=659310

ناصر اللحام...القسطنطينية
(خاص بوكالة معا)
كتبه: سري سمّور
تابعت مساء الأحد 22-12-2013م برنامجا وثائقيا أعده وعلق عليه بصوته رئيس تحرير وكالة معا الأستاذ ناصر اللحام، حول تركيا ووضعها وتجربتها، وسياستها الخارجية والداخلية وخاصة موقفها من القضية الفلسطينية، وحمل البرنامج اسما مميزا هو القسطنطينية، وهو كما نعلم اسم مدينة اسطنبول حاليا التي كانت عاصمة السلطنة العثمانية قرونا من الزمن.
ما أود التعقيب عليه هو تعليق الأستاذ ناصر اللحام على حزب العدالة والتنمية بأنه حزب تركي يعتز بقوميته بعكس الأحزاب الإسلامية العربية، وأن العدالة والتنمية حقق ازدهارا لتركيا على نقيض الحركات الإسلامية العربية، والإيحاء واضح بأن الحركات الإسلامية العربية فشلت فيما نجح فيه حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان عبر حزب يرفض أن يسمي نفسه حزبا إسلاميا بل حزبا تركيا؛ ولي هنا بعض الملاحظات على هذه الفكرة التي جاءت ضمن أفكار أخرى في البرنامج أؤيدها بعكس هذه المقارنة التي أراها غير موضوعية وغير منصفة وهي:-
1) إن طبيعة المجتمع التركي الذي شهد حكما علمانيا عسكرتاريا صارما منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي تختلف كثيرا عن مجتمعات الأقطار العربية، فمع أن العرب حكمتهم نظم مستبدة فاسدة، إلا أن هذه النظم حافظت على مظاهر التدين العادي، بعكس تركيا التي كان من يصلي داخل عمله يفصل، وكم سمعنا عن ضباط تعرضوا للفصل من الخدمة لأنهم زاروا مساجد تاريخية في تسعينيات القرن الماضي، في حين أن معسكرات جيوش معظم الدول العربية فيها مصليات بل لها مفتين وأئمة، وهذه العلمانية المتطرفة في تركيا صبغت الناس بصبغة لن تخرج حزبا قويا بارزا مختلفا عن المحيط الاجتماعي، كما أن النعرة القومية التركية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر وهي ما عرفت بالطورانية، وزادت نزعات الانفصال عند الأكراد من المبالغة في الاعتزاز بهذه القومية.
2) إذا كان حزب العدالة والتنمية يقدم نفسه على أنه حزب تركي ويرفض –حسب تعليق الأخ اللحام- وصفه بالإسلامي فلم هذه المقارنة أساسا؟فالمقارنة تكون بين أحزاب إسلامية لا بين هذه وحزب تركي أو باكستاني أو هندي..إلخ.
3) تركيا كانت وما زالت تحلم بعلاقة مميزة مع أوروبا وهي عضو في النادي الأوروبي وعضو في حلف الناتو، ولذا فإن الوضع فيها كان متأثرا بهذه الرغبة، حيث أن هناك معايير أوروبية لطبيعة الدولة المنضوية أو التي ترغب في دخول المجموعة الأوربية تتعلق بالحريات واحترام صناديق الاقتراع، بل حتى العقوبات؛ فمثلا لم ينفذ    حكم الإعدام بحق عبد الله أوجلان تجنبا لردة فعل أوروبا، ولم يتعرض حزب العدالة والتنمية إلى حرب مكشوفة معلنة من قبل الدول الغربية مثل أحزاب إسلامية عربية، وحينما انقلبت المؤسسة العسكرية على نجم الدين أربكان اعتمدت أسلوبا ملتويا تجنبا لإغضاب الغرب، بعكس ما جرى في مصر حيث تدخل العسكر مباشرة وعزلوا الرئيس المنتخب، وكان تعقيب جون كيري بأن الجيش فعل ذلك لحماية الديموقراطية، فهل يقبل الغرب ذلك في تركيا من حيث الطريقة والأسلوب؟!
4) بناء على النقطة السابقة تنبع أسئلة عدة منها:هل يقبل الغرب بحكم ديموقراطي في البلاد العربية سواء أكان بزعامة حزب إسلامي أو قومي أو ليبرالي أو غير ذلك؟وهل أعطي الإسلاميون العرب فرصة للحكم بدون عقوبات ومضايقات وحصار غربي، والأمثلة كثيرة منها قطع الطريق على إسلاميي الجزائر ووقف العملية الانتخابية هناك، ومحاصرة وقصف السودان وصولا إلى تقسيمه، وفرض شروط على حركة حماس من قبل ما يسمى بالرباعية؟ألا نلحظ أن هناك رغبة في تدمير أي تجربة ديموقراطية عربية من قبل الغرب بأدواته المختلفة القوية؟فهل تعرضت تركيا خلال العقد المنصرم إلى ما تعرضت له أي دولة عربية يصعد فيها أي حزب إسلامي مهما أبدى من مرونة وطرح تصورا للمشاركة؟ وأمامنا تونس ففيها ريس ليبرالي تحالف مع حزب قيل أنه شبيه بحزب أردوغان ومع ذلك فإن الغرب لا يفتأ عبر وسائله الخفية والمعلنة بتخريب التجربة.
5) رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان لا يخفي تأثره بالشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، فالهجوم أو الانتقاص من الحركات الإسلامية العربية فيه إجحاف.
6) أما القومية فلا ننسى أن د.حسن الترابي قد أسس الجبهة القومية الإسلامية في السودان، وهو ليس اسما فقط فقد وصل الحال بأن يتحالف الترابي مع جون جارانج(وهو أمر أنا شخصيا ضده بالمناسبة)...ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة في مصر المنبثق عن الإخوان المسلمين هو مسيحي قبطي هو د.رفيق حبيب المفكر المعروف، أما تحفظات الإسلاميين العرب على التوجهات القومية العربية فهي ردة فعل طبيعية على تطرف كثير من القوميين العرب الذين جعلوا القومية العربية فوق العقيدة الإسلامية، بدل المزاوجة بينهما، مثلما زاوج الأتراك بين انتمائهم للإسلام عقيدة ودينا والقومية التركية وطنا ولغة...وسلوك الإسلاميين العرب لا يعادي القومية العربية؛ فالعربية هي اللسان، وأكثر الناس اتقانا للحديث والكتابة بلغة الضاد هم قادة وكوادر وعناصر الحركات الإسلامية العربية، لدرجة أن خصومهم يسخرون منهم في أعمال درامية نعرفها جميعا بسبب حرصهم على اللغة العربية الحاضنة الحقيقية للقومية العربية، وهي لغة القرآن الكريم.
7) وإضافة إلى الملاحظة السابقة(6) فإنني قد تابعت قبل حوالي سنتين مقابلة أجرتها الإعلامية المصرية منى الشاذلي مع السيد أردوغان لم يظهر فيها أن انتماءه للقومية التركية يغلب على انتمائه للإسلام، بل أكد على انتمائه الإسلامي، بل حتى مفهوم العلمانية الذي توصف به تركيا أبدى تحفظه عليه وقال أن القانون هو الذي يحكم في تركيا.
8) من الواضح أن البرنامج قد تم إعداده قبل الأزمة الحالية في تركيا بشهور عدة، ويبدو أنه حتى الأنموذج التركي المنفتح لا يرضي الغرب وما تهديد أردوغان لسفراء أجانب بسبب تدخلهم في شؤون بلاده الداخلية وسرعة نفي السفير الأمريكي، مذكرا إيانا بالمثل الشعبي المعروف:اللي عراسو بطحة بحسس عليها، أو بالفصحى:كاد المريب أن يقول خذوني، إلا دليل ملموس على أن أردوغان من وجهة نظر دهاقنة واشنطن بدأ يغرد خارج السرب...والبقية عندكم.
وأخيرا وليس آخرا فقد استمتعت كثيرا بهذا البرنامج، ولا بد من تحية وشكر كل القائمين عليه، وأكثر ما أؤيده فيه هو خاتمته التي أشارت إلى الحريات في الكيان العبري وفي تركيا، ولمحت إلى انعدامها لدى العرب؛ واعتبار الحرية أساس الازدهار والتقدم...وهذا صحيح فالعبيد لا يبنون أوطانا حقيقة.
ولا شك أن التجربة التركية مع اختلاف ظروفها الموضوعية عن وضع العرب غنية وتستحق الدراسة المكثفة...أما فيما يتعلق بنا أهل فلسطين؛ فالأمل معقود على دور تركي فاعل في إنهاء الانقسام الفلسطيني خاصة في ظل انشغال مصر بوضعها الداخلي، ونظرا لأن تركيا لها علاقات دافئة بطرفي الانقسام فالرئيس أبو مازن يزورها ثلاث مرات سنويا كما جاء في البرنامج، وهي تستقبل الأستاذ خالد مشعل، وطرفا الانقسام يشعران بأنهما مرحب بهما في (القسطنطينية) الجديدة!
ملاحظة خارج الفكرة:ونحن تلاميذ صغار كانوا يختبروننا فيمن يكتب كلمة (القسطنطينية) دون أن يخطئ لصعوبتها بالنسبة لتلاميذ ما زالوا في مرحلة التهجئة...وقد نجحت في الاختبار بلا فخر آنذاك!
  ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...

إسراء عيسى في رواية "حياة ممكنة" تحاول أن تحيك خيوطا لوحدة الوطن