الشهيد الشقاقي من صفوف الإخوان إلى نموذج إيران



الشهيد الشقاقي من صفوف الإخوان إلى نموذج إيران    

بقلم:سري سمّور

(6)

مثل كثير من أبناء ذلك الجيل فقد تأثر (فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي) المولود في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين سنة 1951 لأسرة شردتها العصابات الصهيونية من بلدة (زرنوقة) قرب يافا، بالتجربة الناصرية، وتعلقت آماله بالزعيم جمال عبد الناصر وأنه قمين بتحقيق النصر والتحرير، ولكن صدمة الشاب كانت قوية بعيد هزيمة حزيران/يونيو 1967 وجسدت نقطة تحوّل في فكره وحياته السياسية؛ فقد تولدت عنده أسئلة مصيرية بل وجودية تتعلق بماهية الهوية والنصر والهزيمة والأسباب المؤدية لهما في الماضي والحاضر والمستقبل، فبدأ-وهو ابن عائلة متدينة- ينتقل إلى الفكر الإسلامي تدريجيا، خارجا من إطار الأفكار الأخرى بعد سلسلة حوارات ودراسات لكتب وجلسات مع زملاء وأصدقاء، حيث أنه وجد في الإسلام أجوبة واضحة لأسئلته وشفاء من أثر الهزيمة النفسي.
وكأي إسلامي أو كغالبية الإسلاميين ، تأثر الشقاقي الشاب بحركة الإخوان المسلمين، وانتظم في أسرهم، وربطته علاقات صداقة وطيدة مع قادتهم وعناصرهم في قطاع غزة ومصر، والتقى بالشيخ الشهيد أحمد ياسين-رحمه الله- وكان ياسين للتو قد أعاد إحياء تنظيم الإخوان المسلمين، ويؤكد الكاتب والقيادي في حركة حماس د.أحمد يوسف أن الشقاقي  تسلّم موقعا مهما وأوكلت إليه قيادة فرع الضفة الغربية، والتي انتقلا –يوسف والشقاقي-  إليها للعمل والدراسة وتحديدا إلى جامعة بيرزيت...ويؤكد د.موسى أبو مرزوق وهو قيادي بارز في حركة حماس وكان رئيسها، أن الشقاقي كان رفيقه في تنظيم الإخوان المسلمين في غزة ومصر، بل إن الشقاقي هو من عرّفه على الشيخ أحمد ياسين في قطاع غزة، وأن الشقاقي كان مفتونا بشخصية الشيخ حسن البنا(مؤسس الإخوان المسلمين) وقطبي-نسبة إلى سيد قطب- الفكر والثقافة.
ولكن الكاتب المصري د.رفعت سيد أحمد الذي دوّن سيرة الشقاقي الذاتية وجمع ما أمكن من كتاباته ومحاضراته وندواته ومقابلاته في مجلدين أن الشقاقي لم يندمج مع الإخوان بشكل كلي مع تأثره بهم، ولست هنا في معرض نفي أو إثبات انتماء أو لنقل اندماج الشقاقي –رحمه الله- مع الإخوان فعليا؛ فهذا ربما محل خلاف نسبي بين المؤرخين والباحثين وغيرهم ممن عايشوا تلك المرحلة أو درسوها، ولن أنحاز هنا إلى من يثبت أو إلى من ينفي ذلك الاندماج، ولكن يكفيني أن أقطف من شجرة الموضوع ثمرتين اثنتين:الأولى أن الشقاقي قد تأثر كثيرا بالإخوان المسلمين ومدرستهم الفكرية ومرقوماتهم وظل هذا التأثر واضحا حتى استشهاده وخاصة تأثره بسيد قطب-رحمه الله- وكتابه (معالم في الطريق) الذي احتفى به الشقاقي حفاوة بالغة، والثانية أن الشقاقي قائد بالفطرة، لا يقيده قرار تنظيمي، ولا تحول دون ممارسته ما يؤمن به مؤسسة حزبية أو كيان سياسي ولو كان منتسبا له أو قياديا فيه...ولد فتحي الشقاقي كي يكون قائدا لا جنديا، ومتبوعا لا تابعا، وتلك هي طبيعة الأشياء التي فطر الله الناس عليها.

(7)

أثناء دراسته للطب في مصر كما ذكرت في المقال السابق وقعت أحداث كبيرة في المنطقة، أثرت على فكر الشقاقي وكان من أبرزها اندلاع الثورة الإيرانية، وصعود الخميني إلى قيادة إيران وفق صيغة الجمهورية الإسلامية المدعمة بفكرة مرجعية (الولي الفقيه) وقد وجد الشقاقي ضالته في تلك الثورة وفي شخص الخميني الذي استقبله (1988) وجلس معه جلسة أطول من جلساته مع رؤساء الدول، وأصدر الشقاقي كتابه(الخميني:الحل الإسلامي والبديل) وطيّر إهداءه لحسن البنا والخميني معا، وحاول تنظيم الإخوان المسلمين منع طباعة الكتاب لحسابات محلية مصرية في ذلك الوقت، حيث أن السادات استقبل شاه إيران المخلوع، وكانت الأجواء مكهربة، ولكن الشقاقي أصر وقام بطباعة كتابه المذكور، وسجن في مصر بسببه مرتين بضعة شهور.
لقد رأى الشقاقي في الخميني وإيران الجديدة أنموذجا يحتذى ومثالا وقدوة؛ فيما كان الإخوان ينظرون إلى الأمر كتجربة، وتوجسوا خيفة من مسألة التشيع، وما ميز الشقاقي أنه ظل سنيّا تماما ولم يتشيع، مثلما أشاع مغرضون، ولكنه هوّن وقلل من شأن الفرق الواضح في الأصول بين السنة والشيعة متكئا على فتوى للشيخ الأزهري محمود شلتوت، ونتف وعبارات جمعها من كتب الشيعة، تتجاوز عن الفروقات الواضحة بين الفرقتين، بحيث يبدو-وفق هذه التخريجة- وكأن الفرق بين الشيعة الجعفرية الاثني عشرية والسنة شبيه بل مطابق للفرق بين الشافعية والحنفية وهذه والمالكية والحنابلة، وهو تشخيص وتصوّر سيسبب مشكلة كبيرة للشقاقي وحركته الوليدة ستستمر سنوات طويلة، وهو-كما سأبين لاحقا- من أسباب حالة القطبية الثنائية(فتح-حماس)!
وقد تسبب موقف الشقاقي المتحمس والمندفع تجاه التبني الكامل للنموذج الإيراني واعتباره المثل الأعلى الذي يراه متصلا بمدرسة البنا وقطب بالانفصال التنظيمي النهائي بينه وبين الإخوان المسلمين، وكان هو وعبد العزيز عودة ورمضان شلح وغيرهم قد قرروا بناء تنظيم جديد وفق هذه الفكرة والروح والمحتوى، وابتعدوا عن زملائهم الآخرين الذين ظلوا في التنظيم الأم أمثال الشهيدين إبراهيم المقادمة وإسماعيل أبو شنب-رحمهما الله- و موسى أبو مرزوق، وهم قادة حركة ستتأسس بعد بضع سنين، أي حركة حماس.

(8)

وأيضا في المرحلة الأخيرة من دراسته وعمله طبيب امتياز في مصر فقد وقع حدث آخر كان له وقع كبير على نفسه، وعلى المنطقة عموما ومصر خصوصا؛ فقد اغتالت مجموعة من تنظيم الجماعة الإسلامية الرئيس المصري أنور السادات أثناء عرض عسكري ظهيرة 6/10/1981م وبغض النظر عن ملابسات وكواليس متعلقة بهذا الحدث(المنصة)، والتي تشير صراحة أو ضمنا أنه مدبر ومرسوم بطريقة أو بأخرى من جهات أكبر بكثير من المنفذين وتنظيمهم؛ فإنه في وقته وحينه شكل منعطفا حادا في أوزان القوى؛ فقد أثبت التيار الإسلامي أنه لا يكتفي بالقصائد والأشعار الشاتمة للسادات ونهجه مثلما دأب عليه اليساريون والقوميون والناصريون ومن لف لفيفهم في مصر وخارجها، بل هو صاحب الفعل الصاخب والقادر على توجيه ضربة هزت العالم بأسره بلا مبالغة وقتها، وهو ما غيّر نظرة الناس-ومنهم الفلسطينيون طبعا- إلى هذا التيار الذي كان محل سخرية بكونه لا يهتم إلا ببعض المظاهر الخارجية المتعلقة بلباس المرأة ولحية الرجل، وأن أفراده مجموعة من الدراويش الذين لا تهمهم سوى بطونهم والزواج بأكثر من واحدة، وغير ذلك من التنميطات والانطباعات والتصورات الخاطئة وقتها!
وقد كان تأثر الشقاقي بالحدث كبيرا، ويمكن وصف وقعه عليه بحالة صوفية سطّرها فيما كتبه عن أبرز المنفذين(خالد الإسلامبولي) الذي رثاه الشقاقي بمقالة في 1983 في ذكرى الحدث نشرتها مجلة (الطليعة الإسلامية) التي ستكون عنوان قضية يسجن بسببها الشقاقي ويعذب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأنقل منها بعض الاقتباسات لأهمية هذه المسألة في فكر الشقاقي ومسار حركته مدة طويلة:-
((...عبثا يستريح المحارب يا خالد، أيها الولد الطيب والأمير الجميل، أيها القادم مع النيل من أعلى الصعيد، من ساحات الأزهر، من جوع الصبية حول القصور، من أنين الثواني...من زمان النفط والفقر ومن بلاد ضيعها الأمراء...أين كنت قبل السادس من تشرين(أكتوبر) وهل أنت كنت الذي يقاسمني غرفتي ولا أراه؟!...أأنت الواجب الذي تحرر من أسر الإمكان؟...فأت وخذني إلى راحتيك، أنا القدس فامتشق دمي يا محارب كل العصور...وأخيرا صمت العالم ودوى الصدى في طهران...انتشر الجياع يهتفون باسمك الممنوع في كل الأرض إلا في طهران يصرخون:خالد الإسلامبولي لك المجد...))
هذه العبارات، تحمل قيمة أدبية، كيف لا والشقاقي أديب وشاعر، مع كونه مفكرا وسياسيا، وفيها حالة عشق بادية؛ ومن ناحية أخرى تعطي ملامح ومعالم فكر الشقاقي بربطه بين الإسلامبولي والقدس وطهران...وسأناقش هذه المسألة وغيرها في المقالات القادمة بعون الله ومشيئته.
،،،،،،،،،،،،،
السبت  27 صفر 1441هـ ، 26/10/2019م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين الحنفي)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

تويتر: https://twitter.com/SariSammour     @SariSammour  
مدونات:-



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ونحن نعيش ذكرى فتح القدس...

إسراء عيسى في رواية "حياة ممكنة" تحاول أن تحيك خيوطا لوحدة الوطن